واعلم أن الرجل إذا زنى بامرأة وهما محصنان فحدهما الرجم لا غير وإن كانا غير محصنين فحدهما الجلد لا غير وإن كان أحدهما محصناً والآخر غير محصن فعلى المحصن منهما الرجم وعلى الآخر الجلد والمحصن هو أن يكون عاقلاً بالغاً مسلماً حراً دخل بامرأة بالغة عاقلة حرة مسلمة بنكاح صحيح فالرجم كان مشروعاً في التوراة ثم نسخ بآية الإيذاء من القرآن ثم صار الإيذاء منسوخاً بآية الحبس وآية الإيذاء وإن كانت متأخرة في الترتيب والنظم إلا أنها سابقة على الأولى نزولاً ثم صار الحبس منسوخاً بحديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلّم "البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة" ثم نسخ هذا كله بآية الجلد ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِا ئَةَ جَلْدَةٍ﴾ وصار الحد هو الجلد في كل زان وزانية ثم صار هذا منسوخاً بالرجم في حق المحصن بحديث ماعز رضي الله عنه وبقي غير المحصن في حكم الجلد وهو الترتيب في الآيات والأحاديث وعليه استقر الحكم عندنا كذا في تفسير "التيسير".
فالواجب على كل مسلم أن يتوب من الزنى وينهى الناس عن ذلك فإن كل موضع ظهر فيه الزنى ابتلاهم الله بالطاعون ويزيد فقرهم.
قال ابن مسعود رضي الله عنه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم أي : ذنب أعظم عند الله قال :"أن تجعلنداً وهو خلقك" قلت ثم أي؟ قال :"أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك" قلت : ثم أي؟ قال :"أن تزني بحليلة جارك" وأشد الزنى ما هو مصر عليه وهو الرجل الذي يطلق امرأته وهو يقيم معها بالحرام ولا يقر عند الناس مخافة أن يفتضح فكيف لا يخاف فضيحة الآخرة يوم تبلى السرائر يعني تظهر الأسرار فاحذر فضيحة ذلك اليوم واجتنب الزنى ولا تصر عليه فإنه لا طاقة لك مع عذاب الله وتب إلى الله فإن الله كان يقبل التوبة عن عباده إن الله كان تواباً رحيماً، قال مولانا جلال الدين الرومي قدس سره :
مركب توبه عجائب مركبست
بر فلك تازد بيك لحظه زستون برآرند از شيماني انين
عرش لرزد ازانين المذنبينعمرا كربكذشت بيخش اين دم است
آب توبه اش ده اكر اوبي نمستبيخ عمرت رابده آب حيات
تادرخت عمر كردد باثبات
جمله ماضيها ازين نيكو شوند
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٦
زهر ارينه ازين كرد دوقند
١٧٧
والإشارة في تحقيق الآيتين أن ﴿وَالَّـاتِى يَأْتِينَ الْفَـاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ﴾ هي النفوس الأمارة بالسوء والفاحشة ما حرمته الشريعة من أعمال الظاهر وحرمته الطريقة من أحوال الباطن وهي الركون إلى غير الله قال عليه السلام :"سعد غيور وأنا أغير منه والله أغير منا" ولهذا حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ﴾ على النفوس باتيان الفاحشة ﴿أَرْبَعَةً مِّنكُمْ﴾ أي : من خواص العناصر الأربعة التي أنتم منها مركبون وهي التراب ومن خواصه الخسة والركاكة والذل والطمع والمهانة واللؤم.
والماء ومن خواصه اللين والعجز والكسل والأنوثة والشره في المأكل وفي المشرب.
والهواء ومن خواصه الحرص والحسد والبخل والحقد والعداوة والشهوة والزينة.
والنار ومن خواصها التبختر والتكبر والفخر والصلف والحدة وسوء الخلق وغير ذلك مما يتعلق بالأخلاق الذميمة ورأسها حب الدنيا والرياسة واستيفاء لذاتها وشهواتها ﴿فَإِن شَهِدُوا﴾ أي : ظهر بعض هذه الصفات من النفوس ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى الْبُيُوتِ﴾ فاحبسوهن في سجن المنع عن التمتعات الدنيوية فإن الدنيا سجن المؤمن واغلقوا عليهن أبواب الحواس الخمس ﴿حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ﴾ أي : تموت النفس إذا انقطع عنها حظوظها دون حقوقها وإلى هذا أشار بقوله عليه السلام :"موتوا قبل أن تموتوا" ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا﴾ بانفتاح روزنة القلوب إلى عالم الغيوب فتهب منها ألطاف الحق وجذبات الألوهية التي جذبة منها توازي عمل الثقلين ﴿وَالَّذَانِ يَأْتِيَـانِهَا مِنكُمْ﴾ أي : النفس والقالب يأتيان الفواحش في ظاهر الأفعال والأعمال وباطن الأحوال والأخلاق ﴿فَـاَاذُوهُمَا﴾ ظاهراً بالحدود وباطناً بترك الحظوظ وكثرة الرياضات والمجاهدات ﴿فَإِن تَابَا﴾ ظاهراً وباطناً ﴿وَأَصْلَحَا﴾ لذلك ﴿فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَآ﴾ باللطف بعد العنف وباليسر بعد العسر فإن مع العسر يسراً.
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا﴾
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٦


الصفحة التالية
Icon