لمن تاب ﴿رَّحِيمًا﴾ لمن أصلح من "تفسير نجم الدين الرازي الكبرى" ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ﴾ أي : أن قبول التوبة كالمحتوم على الله بمقضتى وعده من تاب عليه إذا قبل توبته.
﴿لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّواءَ﴾ أي : المعصية صغيرة كانت أو كبيرة.
فقوله : إنما التوبة على الله مبتدأ وخبره ما بعده ﴿بِجَهَـالَةٍ﴾ أي : يعملون ملتبسين بها أي : جاهلين سفهاء فإن ارتكاب الذنب مما يدعو إليه الجهل ولذلك قيل : من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع من جهالته.
وفي "التيسير" ليست هذه جهالة عدم العلم لأنه ذنب لأن ذلك عذر لكنها التغافل والتجاهل وترك التفكر في العاقبة كفعل من يجهله ولا يعلمه ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ﴾ أي : من زمان قريب وهو ما قبل حضور الموت أي : قبل أن يغرغروا وسماه قريباً لأن أمد الحياة الدنيا قريب قال تعالى :﴿قُلْ مَتَـاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ (النساء : ٧٧) فعمر الدنيا قليل قريب الانقضاء فما ظنك بعمر فرد ومن تبعيضية أي : يتوبون بعض زمان قريب كأنه سمي ما بين وجود المعصية وبين حضور الموت زماناً قريباً ففي أي جزء تاب من أجزاء هذا الزمان فهو تائب ﴿فأولئك يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ أي :: يقبل توبتهم ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا﴾ بخلقه يعلم إخلاصهم في التوبة ﴿حَكِيمًا﴾ في صنعه والحكيم لا يعاقب التائب.
فعلى المؤمن أن يتدارك الزلة بالتوبة والاستغفار ويسارع في الرجوع إلى الملك الغفار.
ـ روي ـ أن جبريل عليه السلام أتاه عند موته فقال : يا محمد
١٧٨
الرب يقرئك السلام ويقول : من تاب قبل موته بجمعة قبلت توبته قال صلى الله عليه وسلّم "الجمعة كثيرة" فذهب ثم رجع وقال : قال الله تعالى : من تاب قبل موته بساعة قبلت توبته فقال :"الساعة كثيرة" فذهب ثم رجع وقال : إن الله يقرئك السلام ويقول : إن كان هذا كثيراً فلو بلغ روحه الخلق ولم يمكنه الاعتذار بلسانه واستحيى مني وندم بقلبه غفرت له ولا أبالي قال صلى الله عليه وسلّم "إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر" أي : لم يبلغ روحه الحلقوم وعند ذلك يعاين ما يصير إليه من رحمة أو هوان ولا ينفع حينئذٍ توبة والا إيمان قال تعالى :﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ (فاطر : ٨٥) فالتوبة مبسوطة للعبد يعاين قابض الأرواح وذلك عند غرغرته بالروح وإنما يغرغر به إذا قطع الوتين فشخص من الصدر إلى الحلقوم فعندها المعاينة وعندها حضور الموت فيجب على الإنسان أن يتوب قبل المعاينة والغرغرة وهو معنى قوله تعالى :﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ﴾ وإنما صحت منه التوبة في هذا الوقت لأن الرجاء باق ويصح الندم والعزم على ترك الفعل، قال السعدي قدس سره :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٦
طريق بدست آر وصلحى بجوي
شفيعي برانكيز وعذري بكوى
كه يك لحظه صورت نبندد آمان
و يمانه رشد بدور وزمان
والتوبة فرض على المؤمنين ولها شروط أربعة : الندم بالقلب، وترك المعصية في الحال.
والعزم على أن لا يعود إلى مثلها وأن يكون ذلك حياء من الله تعالى وخوفاً منه لا من غيره.
قال الحسن البصري : استغفارنا يحتاج إلى استغفار، قال القرطبي في "تذكرته" : هذا يقوله في زمانه فكيف في زماننا هذا الذي يرى فيه الإنسان مكباً على الظلم حرصاً عليه لا يقلع والسبحة في يده زاعماً أنه يستغفر من ذنبه وذلك استهزاء منه واستخفاف ومن أظلم ممن اتخذ آيات الله هزؤاً فيلزم حقيقة الندم.
ـ روي ـ أن الملائكة تعرج إلى السماء بسيآت العبد فإذا عرضوها على اللوح المحفوظ يجدون مكانها حسنات فيخرون على وجوههم ويقولون : ربنا إنك تعلم أنا ما كتبنا عليه إلا ما عمل فيقول الله تعالى : صدقتم ولكن عبدي ندم على خطيئته واستشفع إليّ بدمعه فغفرت ذنبه وجدت عليه بالكرم وأنا أكرم الأكرمين، قال مولانا جلال الدين قدس سره :
ازي هر كريه آخر خنده ايست
مرد آخر بين مبارك بنده ايستهركجا آب روان سبزه بود
هزكجا اشك روان رحمت شود
تانكريد ابركي خندد من
تانكريد طفل كي جوشد لبن قال أحمد بن عبد الله المقدسي : سألت إبراهيم بن أدهم عن بدء حاله فقال : نظرت من شباك قصري فرأيت فقيراً بفناء القصر قد أكل الخبز بالماء والملح ثم نام فدعوته وقلت له : قد شبعت وتهيأت للنوم قال : نعم فتبت إلى الله ولبست الليلة مسوحاً وقلنسوة من صوف وخرجت حافياً إلى مكة.
واعلم أن الله إذا أراد بعبد خيراً اصطفاه لنفسه وجعل في قلبه سراجاً يفرق بين الحق الباطل ويبصر عيوب نفسه حتى يترك الدنيا وحطامها ويلقي عليها زمامها، قال جلال الدين رومي قدس سره :
١٧٩
ملك برهم زن تو ادهم وار زود
تابيابي همو أو ملك خلود
اين جهان خود حبس جانهاي شماست
هين رويد آن سوكه صحراي شماست
قال العطار قدس سره :
نقاب ازروي ون خورشيد بردار
اكر هستي زروي خود خبر دار
زكوه قاف جسماني كذركن
بدار الملك روحاني سفركن
مشو مغرور اين ملك مزور
نه عزت ماند ونه مال ونه زر
اكر رنكت فروشويند زرخسار