ـ روي ـ أن بعض المتعبدين كان يحسن القيام على زوجته إلى أن ماتت وعرض عليه التزوج فامتنع وقال : الوحدة أروح لقلبي قال : فرأيت في المنام بعد جمعة من وفاتها كأن أبواب السماء قد فتحت وكأن رجالاً ينزلون ويسيرون في الهواء يتبع بعضهم بعضاً وكلما نظر إلي واحد منهم يقول لمن وراءه هذا هو
١٨٢
المشؤوم فيقول الآخر : نعم ويقول الثالث : كذلك فخفت أن أسألهم إلى أن مرّ بي آخرهم فقلت له : من هذا المشؤوم؟ قال : أنت قال : فقلت ولم؟ قال : كنا نرفع عملك مع أعمال المجاهدين في سبيل الله فمنذ جمعة أمرنا أن نضع عملك مع الخالفين فلا ندري ما أحدثت؟ فقال : لإخوانه زوجوني فلم يكن يفارقه زوجتان أو ثلاث وكثرة النساء ليست من الدنيا لأن الزهاد والعباد كانوا يتزوجون ثلاثاً وأربعاً قال صلى الله عليه وسلّم "حبب إلي من دنياكم ثلاث النساء والطيب وقرة عيني في الصلاة"، قال بعض أرباب الأحوال : كنت بمجلس بعض القصاصّ فقال : ما سلم أحد من الهوى ولا فلان وسمى بمن لا يليق ذكره في هذا المقام لعظم الشأن فقلت : اتق الله فقال : ألم يقل :"حبب إلي" فقلت : ويحك إنما قال : حبب ولم يقل أحببت قال : ثم خرجت بالهم فرأيت النبي عليه السلام فقال : لا تهتم فقد قتلناه قال : فخرج ذلك القاص إلى بعض القرى فقتله بعض قطاع الطريق، فقال بعض العلماء : إكثاره عليه السلام في أمر النكاح بفعل بواطن الشريعة، قال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول الأنبياء زيدوا في القوة بفضل نبوتهم وذلك أن النور إذا امتلأت منه الصدور ففاض في العروق التذت النفس والعروق فأثار الشهوة وقواها وأما الطيب فإنه يزكي الفؤاد ويقوي القلب وأصل الطيب إنما خرج من الجنة بهبوط آدم منها بورقة تستر بها فتركت عليه.
وأما الصلاة فهي مناجاة الله كما قال عليه السلام :"المصلى يناجي ربه" فإذا عرفت حقيقة الحال فإياك والإنكار فإن كل عمل عند الأخيار له سر من الأسرار ولكن عقول العوام لا تحيط به وإن عاشوا ألف عام، قال مولانا جلال الدين قدس سره :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨١
ازمحقق تامقلد فرقها ست
كين وداودست وآن ديكر صداستكار درويشي وراي فهم تست
سوي درويشان بمنكر سست سست ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ﴾ أي : تزوج امرأة ترغبون فيها ﴿مَّكَانَ زَوْجٍ﴾ ترغبون عنها بأن تطلقوها ﴿وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاـاهُنَّ﴾ أي : إحدى الزوجات فالمراد بالزوج هو الجنس ﴿قِنْطَارًا﴾ أي : مالاً كثيراً ﴿فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ﴾ أي ذلك القنطار ﴿شَيْـاًا﴾ يسيراً فضلاً عن الكثير ﴿أَتَأْخُذُونَهُ﴾ أي : شيئاً منه ﴿بُهْتَـانًا﴾ باهتين أو مفعول له أي للبهتان والظلم العظيم فإن أحدهم كان إذا تزوج امرأة فأعجبه غيرها وأراد أن يتزوجها بهت التي تحته بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه إلى تزويج الجديدة فنهوا عن ذلك.
والبهتان في اللغة الكذب الذي يواجه الإنسان به صاحبه على جهة المكابرة وأصله من بهت الرجل إذا تحير فالبهتان الكذب الذي يبهت المكذوب عليه ويدهشه وقد يستعمل في الفعل الباطن ولذلك فسر ههنا بالظلم ﴿وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ أي : آثمين عياناً أو للذنب الظاهر.
﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ﴾ أي : لأي وجه ومعنى تفعلون هذا ﴿وَقَدْ﴾ والحال أنه قد ﴿أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ قد جرى بينكم وبينهن أحوال منافية له من الخلوة وتقرر المهر وثبوت حق خدمتهن لكم وغير ذلك ﴿وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَـاقًا غَلِيظًا﴾ عطف على ما قبله داخل في حكمه أي أخذن منكم عهداً وثيقاً وهو حق الصحبة والممازجة والمعاشرة أو ما أوثق الله عليكم في شأنهن بقوله تعالى ﴿فَإِمْسَاكُا بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحُا بِإِحْسَـانٍ﴾ (البقرة : ٢٢٩) أو ما أشار إليه النبي عليه السلام بقوله :"أخذتموهن بأمانة
١٨٣
الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله".
اعلم أن هذه المعاملات من تضييق النساء ومنعهن من الأزواج وأخذ ما في أيديهن ظلماً بعدما أخذن ميثاقاً غليظاً في رعاية حقوقهن كلها وأمثالها ليست من أمارة الإيمان ونتائجه وثمراته لأن المؤمن أخ المؤمن لا يظلمه ولا يشتمه قال عليه السلام :"المؤمن للمؤمن كالبينان يشد بعضه بعضاً" وقال :"الدين النصيحة" وقد صرح بنفي الإيمان عمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه قال صلى الله عليه وسلّم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨١
هر آنكه تخم بدي كشت وشم نيكي داشت
دماغ بيهده خت وخيال باطل بست
زكوش نبه برون آر وداد خلق بده
اكر تومى ندهى داد روز دادي هست
فعلى المرء أن ينصف في جميع أحواله للأجانب خصوصاً الأقارب والأزواج فإن تحرى العدل لهم من الواجبات.


الصفحة التالية
Icon