واعلم أن من لم يكن في بدايته صاحب مجاهدة لم يجد من هذه الطريقة شمة.
قال أبو الحسن الوراق : كان أجل أحكامنا في مبادي أمرنا في مسجد أبي عثمان الإيثار حتى يفتح علينا وأن لا نبيت على معلوم ومن استقبلنا بمكروه لا ننتقم لأنفسنا بل نعتذر إليه ونتواضع له وإذا وقع في قلوبنا حقارة لأحد قمنا في خدمته والإحسان إليه حتى يزول.
قال أبو حفص : ما أسرع هلاك من لا يعرف عيبه فإن المعاصي بريد الكفر :
عيب رندان مكن اي زاهد اكيزه سرشت
كه كناه دكران برتو نخواهند نوشت
١٨٥
من اكرنيكم وكربدتو بروخود را باش
هركسى آن درود عاقبت كاركه كشت
﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَـاتُكُمْ﴾ أي نكاحهن لأن المفهوم في العرف من حرمة كل شيء ما هو الغرض المقصود منه فيفهم من تحريم النساء تحريم نكاحهن كما يفهم من تحريم الخمر تحريم شربها ومن تحريم لحم الخنزير تحريم أكله.
والأمهات تعم الجدات وإن غلون من الأب والأم أو من قبل إحداهما ﴿وَبَنَـاتُكُمْ﴾ الصلبية وبنات الأولاد وإن سفلن ﴿وَأَخَوَاتُكُمْ﴾ من قبل الأب والأم أو من قبل أحدهما فيتضمن الأخوات من الجهات الثلاث.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٤
واعلم أن حرمة الأمهات والبنات كانت ثابتة من زمن آدم عليه السلام إلى هذا الزمان ولم يثبت حل نكاحهن في شيء من الأديان الإلهية بل إن زرادشت رسول المجوس قال بحله إلا أن أكثر المسلمين اتفقوا على أنه كان كذاباً أما نكاح الأخوات فقد نقل أن ذلك كان مباحاً في زمن آدم عليه السلام وإنما حكم الله بإباحة ذلك على سبيل الضرورة.
وذكر العلماء أن السبب لهذا التحريم أن الوطء إذلال وإهانة فإن الإنسان يستحيي من ذكره ولا يقدم عليه إلا في الموضع الخالي وأكثر أنواع الشتم لا يكون إلا بذكره وإذا كان الأمر كذلك وجب صون الأمهات عنه إن أنعام الأم على الولد أعظم وجوه الأنعام فوجب صونها عن هذا الإذلال والبنت جزء من الإنسان وبعض منه فيجب صونها عن هذا الإذلال لأن المباشرة معها تجري مجرى الإذلال وكذا القول في البقية ذكره الإمام في "تفسيره" ﴿وَعَمَّـاتُكُمْ﴾ العمة كل أنثى ولدها من ولد والدك قريباً أو بعيداً ﴿وَخَـالَـاتُكُمْ﴾ الخالة كل أنثى ولدها من ولد والدتك قريباً أو بعيداً يعني العمات تعم أخوات الآباء والأجداد وكذا الخالات تعم أخوات الأمهات والجدات سواءكن من قبل الأب والأم أو من قبل أحدهما ﴿وَبَنَاتُ الاخِ وَبَنَاتُ الاخْتِ﴾ من كل جهة ونوافلهما وإن بعدت.
واعلم أن الله تعالى نص على تحريم أربعة عشر صنفاً من النسوان سبع منهن من جهة النسب وهن هذه المذكورات وسبع أخرى من جهة السبب وإلى تعدادها شرع فقال :﴿وَأُمَّهَـاتُكُمُ الَّـاتِى أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ﴾ أي حرم نكاح الأمهات والأخوات كلتاهما من الرضاعة كما حرمتا من النسب نزل الله الرضاعة منزلة النسب حتى سمى المرضعة أما للرضيع والمراضعة اختاً وكذلك زوج المرضعة أبوه وأبواه جداه وأخته عمته وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الإرضاع وبعده فهم إخوته وأخواته لأبيه وأم المرضعة جدته وأختها خالته وكل من ولد لها من هذا الزوج فهم إخوته وأخواته لأبيه وأمه ومن ولد لها من غيره فهم إخوته وأخواته لأمه ومنه قوله صلى الله عليه وسلّم "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" وهو حكم كلي جار على عمومه وأما أم أخيه لأب وأخت ابنه لأم وأم أم ابنه وأم عمه وأم خاله لأب ليست حرمتهن من جهة النسب حتى تحل بعمومه ضرورة حلهن في صور الرضاع بل من جهة المصاهرة ألا يرى من الأولى موطوءة أبيه والثانية بنت موطوءته والثالثة أم موطوءته والرابعة موطوءة جده الصحيح والخامسة موطوءة جده الفاسد ﴿وَأُمَّهَـاتُ نِسَآاـاِكُمْ﴾ المراد بالنساء المنكوحات على الإطلاق سواء كن مدخولاً بهن أم لا وعليه
١٨٦