جمهور العلماء وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال في رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل الدخول بها :"إنه لا بأس بأن يتزوج ابنتها ولا يحل له أن يتزوج أمها" ويلحق بهن الموطوءات بوجه من الوجوه المعدودات فيما سبق آنفاً والممسوسات ونظائرهن وأمهات تعم المرضعات كما تعم الجدات ﴿وَرَبَائبُكُمُ الَّـاتِى فِى حُجُورِكُم﴾ أي حرم نكاح الربائب جمع ربيبة والربيب ولد المرأة من آخر سمي به لأنه يربه كما يرب ولده في غالب الأمر فعيل بمعنى مفعول والتاء للنقل إلى الإسمية.
قال الإمام والحجور جمع حجر وفيه لغتان قال ابن السكيت حجر الإنسان وحجره بالفتح والكسر هو ما يجمع على فخذيه من ثوبه والمراد بقوله في حجوركم أي في تربيتكم يقال فلان في حجر فلان إذا كان في تربيته والسبب في هذه الاستعارة أن كل من ربى طفلاً أجلسه في حجره فصار الحجر عبارة عن التربية كما يقال فلان في حضانة فلان وأصله من الحضن الذي هو الإبط ثم إن كون التربية في حجر الرابّ ليس بشرط للحرمة عند جمهور العلماء والوصف في الآية خرج على الأغلب لأنهن كن لا يتزوجن غالباً إذا كانت لهن أولاد كبار ويتزوجن مع الأولاد الصغار ليستعن بالأزواج على تربية الأولاد فخرج الكلام مخرج الغالب لا على الاشتراط كما في قوله تعالى :﴿وَلا تُبَـاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَـاكِفُونَ فِي الْمَسَـاجِدِ﴾ (البقرة : ١٨٧) والمباشرة في غير المساجد حالة الاعتكاف حرام أيضاً ﴿مِّن نِّسَآاـاِكُمُ الَّـاتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ﴾ أي كائنة تلك الربائب من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فمن متعلقة بمحذوف وقع حالاً من ربائبكم ومعنى الدخول بهن إدخالهن الستر والباء للتعدية وهي كناية عن الجماع كقولهم بنى عليها وضرب عليها الحجاب وفي حكم الدخول اللمس ونظائره ﴿فَإِن لَّمْ تَكُونُوا﴾ أي : فيما قبل ﴿دَخَلْتُم بِهِنَّ﴾ أصلاً ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ أي في نكاح الربائب فارقتموهن أي أمهاتهن أو متنّ وهو تصريح بما أشعر به ما قبله ﴿وَحَلَائلُ أَبْنَآاـاِكُمُ﴾ أي : وحرم عليكم زوجات أبنائكم سميت الزوجة حليلة لحلها للزوج أو لحلولها في محله وقيل لحل كل منهما إزار صاحبه وفي حكمهن مزنياتهم ومن يجري مجراهن من الممسوسات ونظائرهن ﴿الَّذِينَ مِنْ أَصْلَـابِكُمْ﴾ لإخراج الأدعياء دون أبناء الأولاد والأبناء من الرضاع فإنهم وإن سفلوا في حكم الأبناء الصلبية فالمتبنى إذا فارق امرأته يجوز للمتبني نكاحها وقد تزوج النبي عليه السلام زينب ابنة جحش الأسدية بنت عمته أميمة ابنة عبد المطلب حين فارقها زيد بن حارثة وكان قد تبناه وادعاه ابنا فعيره المشركون بذلك لأن المتبنى في ذلك الوقت كان بمنزلة الابن فأنزل الله تعالى ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ﴾ وقوله تعالى :﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ﴾ (الأحزاب : ٤) ﴿وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الاخْتَيْنِ﴾ (النساء : ٢٣) أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين في النكاح لا في ملك اليمين وأما جمعهما في الوطء بملك اليمين فيلحق به بطريق الدلالة لاتحادهما في المدار ﴿إِلا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ استثناء منقطع أي لكن ما قد مضى لا تؤاخذون به ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا﴾ لمن فعل ذلك في الجاهلية ﴿رَّحِيمًا﴾ لمن تاب من ذنوبه وأطاع لأمر ربه في الإسلام.
١٨٧
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٤
﴿وَالْمُحْصَنَـاتُ﴾ هن ذوات الأزواج أحصنهن التزوج أو الأزواج أو الأولياء أي : عفهن عن الوقوع في الحرام.
وقد ورد الإحصان في القرآن بإزاء أربعة معان : الأول التزوج كما في هذه الآية، والثاني : العفة كما في قوله ﴿مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَـافِحِينَ﴾ (النساء : ٢٤)، والثالث : الحرية كما في قوله :﴿وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَـاتِ﴾ (النساء : ٢٥)، والرابع : الإسلام كما في قوله :﴿فَإِذَآ أُحْصِنَّ﴾ قيل في تفسيره أي : أسلمن وهي معطوفة على المحرمات السابقة أي وحرم عليكم ذوات الأزواج كائنات ﴿مِّنَ النِّسَآءِ﴾ وفائدته تأكيد عمومها لا دفع توهم شمولها للرجال بناء على كونها صفة للأنفس كما توهم ﴿إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ﴾ يريد ما ملكت إيمانكم من اللاتي سبين ولهن الأزواج في دار الكفر فهن حلال لغزاة المسلمين إن كن محصنات.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٨


الصفحة التالية
Icon