قال نجم الدين الكبرى ـ قدس سره ـ : إن الله تعالى حرم المحصنات من النساء على الرجال عفة للحضانة وصحة للنسب ونزاهة لعرض الرجال عن خسة الاشتراك في الفراش علواً للهمة فإن الله يحب معالي الأمور ويبغض سفاسفها وقال :﴿إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ﴾ يعني : ملكتم بالقوة والغلبة على أزواجهن من الكفار واقتطاعهن من حيز الاشتراك وإفساد نسب الأولاد وتخليطه ولهذا أوجب الشرع فيها الاستبراء بحيضة ﴿كِتَـابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ مصدر مؤكد أي كتب الله عليكم تحريم هؤلاء كتاباً وفرضه فرضاً ﴿وَأُحِلَّ لَكُم﴾ عطف على حرمت عليكم وتوسيط قوله ﴿كِتَـابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ بينهما للمبالغة في الحمل على المحافظة على المحرمات المذكورة ﴿مَّا وَرَآءَ ذَالِكُمْ﴾ إشارة إلى ما ذكر من المحرمات المعدودة أي : أحل لكم نكاح ما سواهن انفراداً وجمعاً وخص منه بالسنة ما في معنى المذكورات كسائر محرمات الرضاع والجمع بين المرأة وعمتها وخالتها ﴿أَن تَبْتَغُوا﴾ متعلق بالفعلين المذكورين أي : حرمت وأحل على أنه فعول له لكن لا باعتبار بيانهما وإظهارهما أي : بين لكم تحريم المحرمات المعدودة وإحلال ما سواهن إرادة أن تبتغوا النساء أي تطلبوهن ﴿بِأَمْوَالِكُم﴾ بصرفها إلى مهورهن أو أثمانهن ﴿مُّحْصِنِينَ﴾ حال من فاعل تبتغون والإحصان العفة وتحصين النفس عن الوقوع فيما يوجب اللوم والعقاب ﴿غَيْرَ مُسَـافِحِينَ﴾ حال ثانية منه والسفاح الزنى والفجور من السفح الذي هو صب المنى سمي به لأنه الغرض منه ومفعول الفعلين محذوف أي : محصنين فروجكم غير مسافحين الزواني وهي في الحقيقة حال مؤكدة لأن المحصن غير مسافح البتة والمعنى لا تضيعوا أموالكم في الزنى لئلا يذهب دينكم ودنياكم ولكن تزوجوا بالنساء فهو خير لكم وذكر الأموال يدل على أن غير المال لا يصلح مهراً وأن القليل لا يكفي مهراً فإن الدرهم ونحوه لا يسمي مالاً ثم هو عندنا لا يكون أقل من عشرة دراهم قال صلى الله عليه وسلّم "لا مهر أقل من عشرة" ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِه مِنْهُنَّ﴾
١٨٨
أي : فالذي انتفعتم به من النساء بالنكاح الصحيح من جماع أو خلوة صحيحة أو غير ذلك ﴿وَالْمُحْصَنَـاتُ مِنَ﴾ مهورهن فإن المهر في مقابلة الاستمتاع ﴿فَرِيضَةً﴾ حال من الأجور بمعنى مفروضة ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ﴾ أي : في أن تراضيتم بعد النكاح على زيادة المهر من جانب الزوج أو على الحط من المهر من جانب الزوجة وأن تهب لزوجها جميع مهرها ﴿مِنا بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾ أي بعد المفروضة للزوجة ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا﴾ بمصالح العباد ﴿حَكِيمًا﴾ فيما شرع لهم من الأحكام ولذلك شرع لكم هذه الأحكام اللائقة بحالكم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٨