﴿وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَـاتِ الْمُؤْمِنَـاتِ﴾ من لم يستطع أي من لم يجد كما يقول الرجل لا أستطيع أن أحج أي لا أجد ما أحج به.
ومنكم حال من فاعل يستطيع أي حال كونه منكم.
والطول القدرة وانتصابه على أنه مفعول يستطيع وأن ينكح في موضع النصب على أنه مفعول القدرة والمراد بالمحصنات الحرائر بدليل مقابلتهن بالمملوكات فإن حريتن أحصنتهن عن ذل الرق والابتذال وغيرهما من صفات القصور والنقصان والمعنى ومن لم يجد طول حرة أي ما يتزوج به الحرة المسلمة ﴿فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُم﴾ فلينكح امرأة أو أمة من النوع الذي ملكته إيمانكم ﴿مِّن فَتَيَـاتِكُمُ الْمُؤْمِنَـاتِ﴾ حال من الضمير المقدر في ملكت الراجع إلى ما أي من إمائكم المسلمات.
والفتاة أصلها الشابة والفتاء بالمد الشباب والفتى الشاب والأمة تسمى فتاة والعبد يسمى فتى وإن كانا كبيرين في السن لأنهما لا يوقران للرق توقير الكبار ويعاملان معاملة الصغار ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـانِكُمْ﴾ تأنيس بنكاح الإماء وإزالة الاستنكاف منه أي أعلم بتفاضل ما بينكم وبين أرقائكم في الإيمان فربما كان إيمان الأمة أرجح من إيمان الحرة وإيمان المرأة من إيمان الرجل.
فلا ينبغي للمؤمن أن يطلب الفضل والرجحان إلا باعتبار الإيمان والإسلام لا بالأحساب والأنساب ﴿بَعْضُكُم مِّنا بَعْضٍ﴾ أنتم وأرقاؤكم متناسبون نسبكم من آدم ودينكم الإسلام كما قيل :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٨
الناس من جهة التمثال أكفاء
أبو همو آدم والأم حواء
فبينكم وبين ارقائكم المواخاة الايمانية والجنسية الدينية لا يفضل حر عبدا الابرجحان في الايمان وقدم الدين ﴿فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ اي واذ قد وقفتم على جلية الامر فانكحوهن باذن مواليهن ولاتترفعوا عنهن وفي اشتراط إذن الموالى دون مباشرتهم للعقد اشعار بجواز مباشرتهن له ﴿وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي أدوا إليهن مهورهن بغير مطل وضرار وإلجاء إلى الافتداء واللز أي المضايقة والإلحاح ﴿مُحْصَنَـاتٍ﴾ حال من مفعول فانكحوهن أي حال كونهن عفائف عن الزنى ﴿غَيْرَ مُسَـافِحَـاتٍ﴾ حال مؤكدة أي غير مجاهرات به
١٩٠
والمسافح الزاني من السفح وهو صب المنى لأن غرضه مجرد صب الماء ﴿وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ جمع خدن وهو الصديق سراً والجمع للمقابلة بالانقسام على معنى أن لا يكون لواحدة منهن خدن لا على معنى أن لا يكون لها أخدان أي غير مجاهرات بالزنى ولا مسرات له وكان زناهن في الجاهلية من وجهين السفاح وهو بالأجر من الراغبين فيها والمخادنة وهي مع صديق لها على الخصوص وكان الأول يقع إعلاناً والثاني سراً وكانوا لا يحكمون على ذات الخدن بكونها زانية ولذا أفرد الله كل واحد من هذين القسمين بالذكر ونص على حرمتهما معاً ﴿فَإِذَآ أُحْصِنَّ﴾ أي بالزويج ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَـاحِشَةٍ﴾ أي فعلن فاحشة وهي الزنى ﴿فَعَلَيْهِنَّ﴾ فثابت عليهن شرعاً ﴿نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَـاتِ﴾ أي الحرائر الابكار ﴿مِنَ الْعَذَابِ﴾ من الحد الذي هو جلد مائة فنصفه خمسون كما هو كذلك قبل الاحصان فالمراد بيان عدم تفاوت حدهن بالاحصان كتفاوت حد الحرائر ولا رجم عليهن لان الرجم لا يتنصف وجعلوا حد العبد مقيسا على الامة والجامع بينهما الرق والاحصان عبارة عن بلوغ مع عقل وحرية ودخول في نكاح صحيح وإسلام خلافاً للشافعي في الإسلام ﴿ذَالِكَ﴾ أي نكاح المملوكات عند عدم الطول لمن ﴿خَشِىَ الْعَنَتَ مِنكُمْ﴾ أي خاف الزنى وهو في الأصل انكسار العظم بعد الجبر فاستعير لكل مشقة وضرر أعظم من موافقة الاسم بأفحش القبائح وإنما سمي الزنى به لأنه سبب المشقة بالحد في الدنيا والعقوبة في العقبى
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٨