﴿وَأَن تَصْبِرُوا﴾ أي عن نكاحهن متعففين كافين أنفسكم عما تشتهيه من المعاصي ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من نكاحهن وإن سبقت كلمة الرخصة فيه لما فيه من تعريض الولد للرق ولأن حق المولى فيها فلا تخلص للزوج خلوص الحرائر ولأن المولى يقدر على استخدامها كيف ما يريد في السفر والحضر وعلى بيعها للحاضر والبادي.
وفيه من اختلال حال الزوج وأولاده ما لا مزيد عليه ولأنها ممتهنة مبتذلة خراجة ولاجة وذلك كله ذل ومهانة سارية إلى الناكح والعزة هي اللائقة بالمؤمنين ولأن مهرها لمولاها فلا تقدر على التمتع به ولا على هبته للزوج فلا ينتظم أمر المنزل وقد قال صلى الله عليه وسلّم "الحرائر صلاح البيت والإماء هلاك البيت" ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ﴾ لمن لم يصبر ﴿رَّحِيمٌ﴾ بالرخصة والتوسعة فنكاح الأمة عند الطول والقدرة على نكاح الحرة لا يحل عند الشافعي وعند الحنفية يحل ما لم يكن عنده امرأة حرة ومحصله أن الشافعي أخذ بظاهر الآية وقال : لا يجوز نكاح الأمة إلا بثلاثة شرائط اثنان في الناكح عدم طول الحرة وخشية العنت والثالث في المنكوحة وهي أن تكون أمة مؤمنة لا كافرة كتابية وعند أبي حنيفة شيء من ذلك ليس بشرط فهو حمل عدم استطاعة الطول على عدم ملك فراش الحرة بان لا يكون تحته حرة فحينئذ يجوز نكاح الامة وحمل النكاح على الوطء وحمل قوله :﴿مِّن فَتَيَـاتِكُمُ الْمُؤْمِنَـاتِ﴾ على الأفضل أي نكاح الأمة المؤمنة أفضل من نكاح الكتابية فجعله على الندب واستدل عليه بوصف الحرائر مع كونه ليس بشرط.
قال في التيسر وأما قوله :﴿مِّن فَتَيَـاتِكُمُ الْمُؤْمِنَـاتِ﴾ ففيه إباحة المؤمنات وليس فيه تحريم الكتابيات فالغنى والفقر سواؤ في جواز نكاح الأمة سواء كانت مؤمنة أو يهودية أو نصرانية.
اعلم أن النكاح من سنن المرسلين وشرعة المخلصين إلا أن الحال يختلف فيه
١٩١
باختلاف أحوال الناس فهو واجب بالنسبة إلى صاحب التوقان ومستحب بالنسبة إلى من كان في حد الاعتدال ومكروه بالنسبة إلى من عجز عن الوقاع والإنفاق.
قال في "الشرعة" وشرحها : ويختار للتزوج المرأة ذات الدين فإن المرأة الصالحة خير متاع الدنيا فإن بها يحصل تفريغ القلب عن تدبير المنزل والتكلف بشغل الطبخ والكنس والفرش وتنظيف الأواني وتهيئة أسباب المعيشة فإن الإنسان لو لم يكن له شهوة الوقاع لتعسر عليه العيش في منزله وحده إذ لو تكفل بجميع أشغال المنزل لضاعت أكثر أوقاته ولم يتفرغ للعلم والعمل فالمرأة الصالحة المصلحة للمنزل معينة على الدين بهذا الطريق واختلال هذه الأسباب شواغل ومشوشات للقلب ومنغصات للعيش ولذلك قال أبو سليمان الدراني : الزوجة الصالحة ليست من الدنيا فإنها تفرّغك للآخرة، قال الشيخ السعدي قدس سره :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٨
زن خوب فرمان برارسا
كند مرد درويش را ادشا
سفر عيد باشد بران كتخداي
كه يارى زشتش بود درسراي
ثم أن بعضهم اختاروا البكر وقالوا : أنها تكون لك فأما الثيب فإن لم يكن لها ولد فنصفها لك وإن كان لها ولد فكلها لغيرك تاكل رزقك وتحب غيرك والحاصل أن اختيار نكاح المملوكات رخصة والصبر عنه عزيمة ولا ريب أن العزيمة أولى لأنه بالصبر يترقى العبد إلى الدرجات العلي وفي الخبر "يؤتى بأشكر أهل الأرض فيجزيه الله تعالى جزاء الشاكرين ويؤتى بأصبر أهل الأرض فيقال له : أترضى أن نجزيك جزاء الشاكرين فيقول : نعم يا رب فيقول الله كلا أنعمت عليك فشكرت وابتليتك فصبرت لأضعفن لك الأجر عليه فيعطى أضعاف جزاء الشاكرين" وقد يجمع العبد فضيلتي الصبر والشكر بأن يصبر على مقتضى النفس زماناً ثم بعد النيل والفوز، يشكر على نعمه الجزيلة حققنا الله وإياكم بحقائق الصبر والشكر :
نعمت حق شكار وشكر كذار
نعمتش را اكره نيست ليتك
شكر باشد كليد كنج نريد
كنج خواهي منه زدست كليد
وقيل في حق الصبر :
جون بماني بسته دربند حرج
صبر كن كه الصبر مفتاح الفرج
صبركن حافظ بسختى روزشب
عاقبت روزي بيابي كام را
ثم إن رحمته لعباده أوسع من أن تذكر ولذلك قال :﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ ومن جملة رحمته بيان طرائق من سلف وتقدم من أهل الرشاد ليسلكوا مناهجهم وينالوا إلى المراد وقال عليه السلام :"يا كريم العفو" فقال جبريل أتدري ما معنى كريم العفو؟ هو أن يعفو عن السيآت برحمته ثم يبدلها بحسنات بكرمه، قال جلال الدين الرومي قدس سره :
توبه آرند وخدا توبه بذير
أمر أو كيرند أو نعم الأميرسسيآتت را مبدل كرد حق
تاهمه طاعت شود آن ما سبقس
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٨
﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ اللام مزيدة لتأكيد معنى الاستقبال اللازم للإرادة ومفعول يبين محذوف أي يريد الله أن يبين لكم ما هواه خفي عنكم من مصالحكم وافاضل أعمالكم أو ما
١٩٢


الصفحة التالية
Icon