واعلم أن أكل المال بالباطل مما يفسد دين الرجل ودنياه بل يضر بنفسه ويكون سبباً لهلاكه فإن بعض الأعمال يظهر أثره في الدنيا.
ـ روي ـ أن رجلاً ظالماً غصب سمكة من فقير فطبخها
١٩٥
فلما أراد أكلها عضت يده فأشار إليه الطبيب بالقطع فلم يزل يقطع من كل مفصل حتى وصل إلى الإبط فجاء إلى ظل شجرة فأخذت عيناه فقيل له : لا تتخلص من هذا إلا بإرضاء صاحبها المظلوم فلما أرضاه سكن وجعه ثم أنه تاب وأقلع عما فعل فرد الله إليه يده فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام (وعزتي لولا أنه أرضى المظلوم لعذبته طول حياته).
قال العلماء حرمة مال المسلم كحرمة دمه قال عليه السلام :"كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله" وقال عليه السلام :"لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيبة نفس منه" فالظلم حرام شرعاً وعقلاً، قال الجامي قدس سره :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٩٤
هزار كونه خصومت كنى بخلق جهان
زبس كه در هوس سيم وآرزوي زرى
تراست دوست زروسيم خصم صاحب آن
كه كيرى از كفش آثرا بظلم وحيله كرى
نه مقتضاي خرد بأشد ونتيجة عقل
كه دوست بكذاري وخصم را ببرى
فعلى السالك أن يجتنب عن الحرام ويأكل من الحلال الطيب ولبعض الكبار دقة عظيمة واهتمام تام في هذا الباب.
ـ حكي ـ أن بعض الملوك أرسل إلى الشيخ ركن الدين علاء الدولة غزالاً وقال : إنها حلال فقال الشيخ : كنت بمشهد طوس فجاء إلى بعض الأمراء بأرنب قال : كل منها فاني رميتها بيدي فقلت : الأرنب حرام على قول الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه.
قال في حياة الحيوان يحل أكل الأرنب عند العلماء كافة إلا ما حكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن أبي ليلى أنهما كرها أكلها ثم أنه جاء يوم بغزال فقال : كل منها فاني رميتها بسهم عملته بيدي على فرس ورثتها عن أبي فقلت : خطر ببالي أن واحداً من الأمراء جاء إلى مولانا الجمال بإوزتين وقال : كل منهما فاني قد أخذتهما ببازي فقال مولانا ليس الكلام في الإوزتين وإنما الكلام في قوت البازي من دجاجة أية عجوز أكل حتى قوي للاصطياد فالغزال التي رميتها على فرسك وإن كانت من الصيد لكن قوت الفرس من شعير أي مظلوم حصل فلم يأكل منها.
ـ حكي ـ أن خياطاً قال لبعض الكبار : هل أكون معيناً للظلمة بخياطة ثيابهم فقال : ليس الكلام فيك وإنما الكلام في الحداد الذي يعمل الإبرة.
والحاصل أن لا بد من الاهتمام في طلب الحلال وإن كان في زماننا هذا نادراً ولوصول إليه عزيزاً، قال الجامي قدس سره :
خواهي كه شوي حلال روزي
همخاته مكن عيال بسيار
داني كه درين سراه تنك
حاصل نشود حلال بسيار
رزقنا الله وإياكم من فضله إنه الجواد ﴿إِن تَجْتَنِبُوا﴾ الاجتناب التباعد ومنه الأجنبي ﴿كَبَآاـاِرَ مَا تُنُهَوْنَ عَنْهُ﴾ كبائر الذنوب التي نهاكم الله ورسوله عنها ﴿نُكَفِّرْ عَنكُمْ﴾ التكفير إماطة المستحق من العقاب بثواب أزيد أو بتوبة والإحباط نقيضه وهو إماطة الثواب المستحق بعقاب أزيد أو بندم على الطاعة والمعنى نغفر لكم صغائركم ونمحها عنكم ﴿وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلا﴾ بضم الميم اسم مكان هو الجنة ﴿كَرِيمًا﴾ أي حسناً مرضياً أو مصدر ميمي أي : إدخالاً مع كرامة.
قال المفسرون الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن من الصغائر إذا اجتنب الكبائر.
واختلف
١٩٦
في الكبائر والأقرب أن الكبيرة كل ذنب رتب الشارع عليه الحد أو صرح بالوعيد فيه.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : إنكم تعملون اليوم أعمالاً في أعينكم أدق من الشعر كنا نعدها على رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الكبائر.
وقال القشيري : الكبائر على لسان أهل الإشارة الشرك الخفي ومن جملة ذلك ملاحظة الخلق واستجلاب قلوبهم والتودد إليهم والإغماض عن حق الله بعينهم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٩٤
واعلم أن اجتناب الكبائر يوجب تكفير الصغائر وعند انتفاء الصغائر والكبائر يمكن الدخول في المدخل الكريم وهو حضرة أكرم الأكرمين قال عليه السلام :"إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا".
وجملة الكبائر مندرجة في ثلاثة أشياء : أحدها اتباع الهوى والهوى ميلان النفس إلى ما يستلذ به من الشهوات فقد يقع الإنسان به في جملة من الكبائر مثلاً البدعة والضلالة والارتداد والشبهة وطلب الشهوات واللذات والتنعمات وحظوظ النفس بترك الصلاة والطاعات كلها وعقوق الوالدين وقطع الرحم وقذف المحصنات وأمثال ذلك ولهذا قال تعالى :﴿وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (ص : ٢٦) وقال عليه السلام :"ما عبداً له أبغض على الله من الهوى" :
غبار هوا شم عقلت بدوخت
سموم هوس كشت عمرت بسوخت
بكن سرمه غفلت از شم اك
كه فردا شوى سرمه درشم خاك