قال الشيخ نجم الدين الكبرى في قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَـانُكُمْ﴾ يعني : الذين جرى بينكم وبينهم عقد الإخوة في الله بأن أخذتم بأيمانكم أيمانهم بالإرادة وصدق الالتجاء وتابوا على أيديكم ﴿فَـاَاتُوهُمْ﴾ بالنصح وحسن التربية والاهتمام بهم والقيام بمصالحهم على شرائط الشيخوخة والتسليك بهم ﴿نَصِيبَهُمْ﴾ الذي أودع الله تعالى لهم عندكم بعلمه وحكمته ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ﴾ من الودائع أينما أودعه ولمن أودعه ﴿شَهِيدًا﴾ يشهد عليهم يوم القيامة إن يخونوا في إعطاء ودائعهم بالخيانة ويسألكم عنها ويشهد لكم بالأمانة ويجازيكم عليها خير الجزاء انتهى فالكاملون لا يخونون في الأمانات بل يسلمون الودائع إلى الأرباب بحسب الاستعدادات ولا يفشون السر إلى من ليس له أهلية في هذا الباب وإلا يلزم الخيانة في أسرار رب الأرباب، قال مولانا جلال الدين الرومي قدس سره :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٩٤
عارفاً نكه جام حق نوشيده اند
رازها دانسته ووشيده اندهركرا اسرار كار آموختند
مهر كردندو دهانش دوختندبرلبش قفلست ودردل رازها
لب خموش ودل راز آوازها
كوش آن كس نوشد أسرار جلال
كووسوسن صدرزبان افتا دولال
تانكوئي سر سلطانرا بكس
تانر يزي قندرا يش مكس
درخور دريا نشد جز مرغ آب
فهم كن والله أعلم بالصواب
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٩٤
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ﴾ قائمون بالأمر بالمصالح والنهي عن الفضائح قيام الولاة على الرعية مسلطون على تأديبهم وعلل ذلك بأمرين وهبي وكسبي فقال :﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ الضمير البارز لكلا الفريقين تغليباً أي بسبب تفضيله الرجال على النساء بالحزم
٢٠١
والعزم والقوة والفتوة والمير والرمي والحماسة والسماحة والتشمير لخطة الخطبة وكتبة الكتابة وغيرها من المخايل المخيلة في استدعاء الزيادة والشمائل الشاملة لجوامع السعادة ﴿وَبِمَآ أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ أي : وبسبب إنفاقهم من أموالهم في نكاحهم كالمهر والنفقة وهذا أدل على وجوب نفقات الزوجات على الأزواج.
ـ روي ـ أن سعد بن الربيع أحد نقباء الأنصار رضي الله عنهم نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير فلطمها فانطلق بها أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وشكا فقال عليه السلام :"لنقتصن منه" فنزلت فقال صلى الله عليه وسلّم "أردنا أمراً وأراد الله أمراً والذي أراد الله خير" ورفع القصاص فلا قصاص في اللطمة ونحوها والحكم في النفس وما دونها مذكور في الفروع.
﴿فَالصَّـالِحَـاتُ﴾ منهن ﴿قَـانِتَـاتٌ﴾ مطيعاتتعالى قائمات بحقوق الأزواج ﴿حَـافِظَـاتٌ لِّلْغَيْبِ﴾ أي : لمواجب الغيب أي : لما يجب عليهن حفظه في حال غيبة الأزواج من الفروج والأموال والبيوت.
وعن النبي صلى الله عليه وسلّم "خير النساء امرأة إنْ نظرتَ إليها سرتك وإن أمرتها أطاعتك وإذا غبتَ عنها حفظتك في مالها ونفسها" وتلا الآية وإضافة المال إليها للإشعار بأن ماله في حق التصرف في حكم مالها ﴿بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ ما مصدرية أي بحفظه تعالى إياهن بالأمر بحفظ الغيب والحث عليه بالوعد والوعيد والتوفيق له.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٠١
أو موصولة أي بالذي حفظ الله لهن عليهن من المهر والنفقة والقيام بحفظهن والذب عنهن ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى﴾ خطاب للأزواج وإرشاد لهم إلى طريق القيام عليهن والخوف حالة تحصل في القلب عند حدوث أمر مكروه أو عند الظن أو العلم بحدوثه وقد يراد به أحدهما أي تظنون عصيانهن وترفعهن عن مطاوعتكم ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ فانصحوهن بالترغيب والترهيب.
قال الإمام أبو منصور : العظة كلام يلين القلوب القاسية ويرغب الطبائع النافرة وهي بتذكير العواقب ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ﴾ بعد ذلك إن لم ينفع الوعظ والنصيحة والهجر الترك عن قلى ﴿فِى الْمَضَاجِعِ﴾ أي في المراقد فلا تدخلوهن تحت اللحف ولا تباشروهن جمع مضجع وهو موضع وضع الجنب للنوم ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ إن لم ينجع ما فعلتم من العظة والهجران غير مبرح ولا شائن ولا كاسر ولا خادش فالأمور الثلاثة مترتبة ينبغي أن يدرج فيها ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ﴾ بذلك كما هو الظاهر لأنه منتهي ما يعد زاجراً ﴿فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا﴾ بالتوبيخ والأذية أي فأزيلوا عنهن التعرض واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا﴾ أي أعلى عليكم قدرة منكم عليهن ﴿كَبِيرًا﴾ أي أعظم حكماً عليكم منكم عليهن فاحذروا واعفوا عنهن إذا رجعن لأنكم تعصونه على علو شأنه وكبرياء سلطانه ثم تتوبون فيتوب عليكم فأنتم أحق بالعفو عمن جنى عليكم إذا رجع.
قال في "الشرعة" وشرحها : إذا وقف واطلع من زوجته على فجور أي : فسق أو كذب أو ميل إلى الباطن فإنه يطلقها إلا أن لا يصبر عنها فيمسكها.


الصفحة التالية
Icon