﴿وَإِنْ خِفْتُمْ﴾ أي علمتم أو ظننتم أيها الحكام ﴿شِقَاقَ بَيْنِهِمَا﴾ أي خلافاً بين المرأة وزوجها ولا تدرون من قبل أيهما يقع النشوز والشقاق المخالفة إما لأن كلا منهما يريد ما يشق على الآخر وإما لأن كلاً منهما في شق غير شق الآخر.
قال ابن عباس رضي الله عنهما والجزم بوجود انشقاق لا ينافي بعث الحكمين لأنه لرجاء إزالته لا لتعرف ودوده بالفعل ﴿فَابْعَثُوا﴾ أي إلى الزوجين لإصلاح ذات البين ﴿حَكَمًا﴾ رجلاً عادلاً صالحاً للحكومة والإصلاح ﴿مِّنْ أَهْلِهِ﴾ من أهل الزوج ﴿وَحَكَمًا﴾ آخر على صفة الأول ﴿مِّنْ أَهْلِهَآ﴾ أي : أهل الزوجة فإن الأقارب أعرف ببواطن أحوالهم واطلب للصلاح بينهم وانصح لهم وأسكن لنفوسهم لأن نفوس الزوجين تسكن إليهما وتبرز ما في ضمائرها من حب أحدهما الآخر وبغضه ﴿إِن يُرِيدَآ﴾ أي الزوج والزوجة ﴿إِصْلَـاحًا﴾ لهما أي ما بينهما من الشقاق ﴿يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَآ﴾ يوقع بين الزوجين الموافقة والإلفة بحسن سعي الحكمين ويلقي في نفوسهما المودة والرأفة.
وفيه تنبيه على أن من أصلح نيته فيما يتحراه وفقه الله لما ابتغاه ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ بالظواهر والبواطن فيعلم كيف يرفع الشاق ويوقع الوفاق.
وفي الآية حث على إصلاح ذات البين قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة" قالوا : بلى قال :"إصلاح ذات البين" وقال صلى الله عليه وسلّم "ألا إنما الدين النصيحة" قالها ثلاثاً قالوا : لمن يا رسول الله قال :" ولرسوله ولكتابه ولأئمة المؤمنين ولعامتهم" فالنصيحةتعالى أن تؤمن بالله ولا تشرك به شيئاً وتعمل بما أمر الله تعالى به وتنتهي عما نهى عنه وتدعو الناس إلى ذلك وتدلهم عليه وأما النصيحة لرسوله أن تعمل بسنته وتدعو الناس إليها.
وأما النصيحة لكتابه أن تؤمن به وتتلوه وتعمل بما فيه وتدعو الناس إليه.
وأما النصيحة للأئمة أن لا تخرج عليهم بالسيف
٢٠٤
وتدعو لهم بالعدل والإنصاف وتدل الناس عليه.
وأما النصيحة للعامة فهو أن تحب لهم ما تحب لنفسك وأن تصلح بينهم ولا تهجرهم وتدعو لهم بالصلاح.
ولا شك أن المصلحين هم خيار الناس بخلاف المفسدين فإنهم شرار الخلق إذ هم يسعون في الأرض بالفساد والتفريق وإيقاظ الفتنة دون إزالتها وقد ورد :"الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها" :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٠٤
ازان همنشين تاتواني كريز
كه مر فتنه خفته را كفت خبز
ومن المفسدين من يوصل كلام أحد إلى أحد فيه ما يسوؤه ويحزنه فالعاقل لا يصيخ إلى مثل هذا القائل :
بدى درقفاعيب من كرد وخفت
بتر زو قريني كه آورد وكفت
يكى تيرى افكنده ودرره فتاد
وجودم نيازرد ورنجم نداد
توبر داشتى وآمدي سوى من
همي در سوزى به بهلوى من
والإشارة في الآية أنه إذا وقع الخلاف بين الشيخ الواصل والمريد المتكاسل ﴿فَابْعَثُوا﴾ متواسطين أحدهما من المشايخ المعتبرين والثاني من معتبري السالكين لينظرا إلى مقالهما ويتحققا أحوالهما ﴿إِن يُرِيدَآ إِصْلَـاحًا﴾ بينهما بما رأيا فيه صلاحهما ﴿يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَآ﴾ بالإرادة وحسن التربية ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ﴾ في الأزل ﴿عَلِيمًا﴾ بأحوالهما ﴿خَبِيرًا﴾ بمآلهما فقدر لكل واحد منهما بما عليهما وبما لهما كذا في "تأويلات" الشيخ العارف نجم الدين الكبرى قدس سره وقد عرف منه أن التهاجر والمخالفة تقع بين الكاملين كما بين عوام المؤمنين ولا يمنع اختلافهم الصوري اتفاقهم المعنوي وقد اقتضت الحكمة الإلهية ذلك فلمثل هذا سر لا يعرفه عقول العامة، قال مولانا جلال الدين في بيان اتحاد الأولياء والكاملين :
ون ازيشان مجتمع بيني دويار
هم يكى باشند وهم شش صدر هزاربر مثال موجها إعداد شان
در عدد آورده باشد اشان
تفرقه در روح حيواني بود
نفس واحد روح انساني بود
مؤمنان معدود ليك إيمان يكى
جسم شان معدود ليكن جان يكى والحاصل أن أهل الحق كلهم نفس واحدة والتفرقة بحسب البشرية والتخالف سبب لا ينافي توافقهم في المعنى من كل وجه وجهة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٠٤


الصفحة التالية
Icon