﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ﴾ العبادة عبارة عن كل فعل وترك يؤتى به بمجرد أمر الله تعالى بذلك وهذا يدخل فيه جميع أعمال القلوب وجميع أعمال الجوارح ﴿وَلا تُشْرِكُوا بِه شَيْئًا﴾ من الأشياء صنماً أو غيره أو شيئاً من الإشراك جلياً وهو الكفر أو خفياً وهم الرياء ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَـانًا﴾ أي : وأحسنوا إليهما إحساناً.
فالباء بمعنى إلى كما في قوله :﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِى﴾ (يوسف : ١٠٠) وبدأ بهما لأن حقهما أعظم حقوق البشر فالإحسان إليهما بأن يقوم بخدمتهما ولا يرفع صوته عليهما ولا يخشن في الكلام معهما ويسعى في تحصيل مطالبهما والإنفاق عليهما بقدر القدرة ﴿وَبِذِى الْقُرْبَى﴾ وبصاحب القرابة من أخ أو عم أو خال أو نحو ذلك بصلة الرحم والمرحمة إن استغنوا والوصية وحسن الإنفاق إن افتقروا ﴿وَالْيَتَـامَى﴾ بإنفاق ما هو أصلح لهم أو بالقيام على أموالهم إن كان وصياً ﴿وَالْمَسَـاكِينُ﴾
٢٠٥
بالمبار والصدقات وإطعام الطعام أو بالرد الجميل ﴿وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَى﴾ أي الذي قرب جواره أو الذي له مع الجوار اتصال بنسب أو دين قال عليه السلام :"والذي نفسي بيده لا يؤدي حق الجار إلا من رحم الله وقليل ما هم أتدرون ما حق الجار إن افتقر أغنيته وإن استقرض أقرضته وإن أصابه خير هنأته وإن أصابه شر عزيته وإن مرض عدته وإن مات شيعت جنازته" ﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ أي : البعيد أو الذي لا قرابة له.
وعنه عليه السلام :"الجيران ثلاثة فجار له ثلاثة حقوق حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام وجار له حقان حق الجوار وحق الإسلام وجار له حق واحد هو حق الجوار وهو الجار من أهل الكتاب"
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٠٥
﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنابِ﴾ أي : الرفيق في أمر حسن كتعلم وتصرف وصناعة وسفر فإنه صحبك وحصل بجانبك ومنهم من قعد بجنبك في مسجد أو مجلس أو غير ذلك من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه فعليك أن ترعى ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة إلى الإحسان ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ هو المسافر الذي سافر عن بلده وماله والإحسان بأن تؤويه وتزوده أو هو الضيف الذي ينزل عليك وحقه ثلاثة أيام وما زاد على ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يقيم عنده حتى يخرجه ﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ﴾ من العبيد والإماء والإحسان إليهم بأن يؤدبهم ولا يكلفهم ما لا طاقة لهم ولا يكثر العمل لهم طول النهار ولا يؤذيهم بالكلام الخشن بل يعاشرهم معاشرة حسنة ويعطيهم من الطعام ولكسوة ما يحتاجون إليه.
قال بعضهم كل حيوان فهو مملوك والإحسان إليه بما يليق به طاعة عظيمة ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالا﴾ أي متكبراً يأنف من أقاربه وجيرانه وأصحابه ولا يلتفت إليهم ﴿فَخُورًا﴾ بما لا يليق يتفاخر عليهم ولا يقوم بالحقوق ويقال فخوراً في نعم الله لا يشكر قال الله تعالى لموسى عليه السلام :(يا موسى إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وحدي لا شريك لي فمن لم يرض بقضائي ولم يشكر على نعمائي ولم يصبر على بلائي ولم يقنع بعطائي فليعبد ربا سواي.
يا موسى لولا من يسجد لي ما أنزلت من السماء قطرة ولا أنبت في الأرض شجرة ولولا من يعبدني مخلصاً لما أمهلت من يجحدني طرفة عين ولولا من يشكر نعمتي لحبست القطر في الجو.
يا موسى لولا التائبون لخسفت بالمذنبين ولولا الصالحون لاهلكت الصالحين).
واعلم أن العبادة أن تعبد الله وحده بطريق أوامره ونواهيه ولا تعبد معه شيئاً من الدنيا والعقبى فإنك لو عبدت الله خوفاً من شيء أو طمعاً في شيء فقد عبدت ذلك الشيء والعبودية طلب المولى بالمولى بترك الدنيا والعقبى والتسليم عند جريان القضاء شاكراً صابراً في النعم والبلوى فلا بد من التوحيد الصرف وترك الشرك حتى يوصله الله إلى مبتغاه، قال بعض العارفين :
نقد هستي محو كن در "لا اله"
تابه بيني دار ملك ادشاه
غير حق هرذره كان مقصودتست
تيغ "لا" بركش كه آن معبودتست
"لا" كه عرش وفرش رابرمي درد
از فنا سوى بقاره ميبرد
"لا" ترا از تو رهايى ميدهد
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٠٥
با خدايت آشنايى ميدهد
ون توخودرا از ميان برداشتى
قصر ايمانرا درى افراشتى
٢٠٦


الصفحة التالية
Icon