خانه أو برون ز در وازه
قال بعض الحكماء : مثل من يعمل الطاعات للرياء والسمعة كمثل رجل خرج إلى السوق وملأ كيسه حصى فيقول الناس : ما املأ كيس هذا الرجل ولا منفعة له سوى مقالة الناس ولو أراد أن يشتري به شيئاً لا يعطى له شيء كذلك الذي عمل للرياء والسمعة.
قال حامد اللفاف : إذا أراد الله هلاك امرىء عاقبه بثلاثة أشياء : أولها يرزقه العلم ويمنعه عن عمل العلماء، والثاني يرزقه صحبة الصالحين ويمنعه عن معرفة حقوقهم، والثالث يفتح عليه باب الطاعة ويمنعه الإخلاص وإنما يكون ذلك المذكور لخبث نيته وسوء سريرته لأن النية لو كانت صحيحة لرزقه الله منفعة العلم ومعرفة حقوقهم وإخلاص العمل :
عبادت بإخلاص نيت نكوست
وكرنه ه آيد زبى مغز وست
ه زنار مغ درميانت ه دلق
كه دروشى ازبهر ندار خلق
فعلى الفتى أن يتخلص من الرياء في إنفاقه وفي كل أعماله ويكون سخياً لا شحيحاً فإن شكر المال إنفاقه في سبيل الله، قال الشيخ العطار قدس سره :
توانكر كه ندارد اس درويش
زدست غير تش برجان رسدنيش
ويناسبه ما قال الحافظ :
كنج قارون كه فروميرود از فكر هنوز
خوانده باشى كه هم از غيرت درويشانست
وإذا كان بخيلاً ومع هذا أمر الناس بالبخل يكون ذلك وزراً على وزر.
قال صاحب "الكشاف" ولقد رأينا ممن بلى بلاء البخل من إذا طرق سمعه أن أحداً جاد على أحد شخص بصره وحل حبوته واضطرب وزاغت عيناه في رأسه كأنما نهب رحله وكسرت خزائنه ضجراً من ذلك وحسرة على وجوده انتهى وهذا مشاهد في كل زمان لا يعطون ويمنعون من يعطي إن قدروا.
والحاصل أنهم يجتهدون في منع من قصد خيراً كبناء القناطر ولجسور وحفر الآبار وسائر الخيرات
٢٠٨
وذلك لكمال دناءتهم وقصور نظرهم وعدم شكرهم واللئيم لا يفعل إلا ما يناسب طبعه :
و منعم كند سفله را روزكار
نهد بردل تنك درويش بار
و بام بلندش بود خود رست
كندبول وخاشاك بربام ست
قال بشير بن الحارث النظر إلى البخيل يقسي القلب فلا بد من مجانبة مجالسته وصحبته :
ونكه باشد مجاورت لازم
همجوار كريم بايد بود
كركنى باكسى مشاوره
آن مشاور حكيم بايد بود
ففي السخاء بركات في الدين والدنيا والآخرة.
قيل : إن مجوسياً تصدق بمائة دينار فرأى الشبلى ذلك فقال : ما تنفعك هذه الصدقة؟ فبكى المجوسي ونظر إلى السماء فإذا رقعة وقعت عليه مكتوب فيها بخط أخضر :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٠٧
مكافأة السماحة دار خلد
وأمن من مخافة يوم بوس
وما نار بمحرقة جوادا
ولو كان الجواد من المجوس
يعني : أن الله تعالى يوفق السخي للإيمان إن كان كافراً ولزيادة الطاعة والإخلاص فيها إن كان مؤمناً فيترقى إلى الدرجات العلى ويليق بمشاهدة ربه الأعلى.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٠٧
﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب شيئاً مقدار ذرة وهي النملة الصغيرة الحمراء التي لا تكاد ترى من صغرها أو الصغير جداً من أجزاء التراب أو ما يظهر من أجزاء الهباء المنبث الذي تراه في البيت من ضوء الشمس وهو الأنسب بمقام المبالغة وهذا نفي للظلم لأنه إذا نفى القليل نفى الكثير لأن القليل داخل في الكثير ﴿وَإِن تَكُ حَسَنَةً﴾ أي وإن يك مثقال الذرة حسنة أنث الضمير لتأنيث الخبر أو لإضافة المثقال إلى مؤنث وحذف النون من غير قياس تشبيهاً بحروف العلة وتخفيفاً لكثرة الاستعمال ﴿يُضَـاعِفْهَا﴾ أي يضاعف ثوابها لأن تضاعف نفس الحسنة بأن يجعل الصلاة الواحدة صلاتين مما لا يعقل ﴿وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ﴾ ويعط صاحبها من عنده على سبيل التفضيل زائداً على ما وعد في مقابلة العمل ﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾ عطاء جزيلاً وإنما سماه أجراً لكونه تابعاً للأجر مزيداً عليه.
قال في "التيسير" : وما وصفه الله بالعظم فمن يعرف مقداره؟ مع أنه سمى الدنيا وما فيها قليلاً وسمي هذا الفضل عظيماً.
ـ روي ـ أنه يؤتى يوم القيامة بالعبد وينادي منادٍ على رؤوس الأولين والآخرين هذا فلان ابن فلان من كان له عليه حق فليأت إلى حقه ثم يقال له : اعط هؤلاء حقوقهم فيقول : يا رب من أين وقد ذهبت الدنيا؟ فيقول الله لملائكته : انظروا في أعماله الصالحة فأعطوهم منها فإن بقي مثقال ذرة من حسنة ضعفها الله تعالى لعبده وأدخله الجنة بفضله ورحمته والظاهر أن ذلك التضعيف يكون من جنس اللذات الموعود بها في الجنة وأما هذا الأجر العظيم الذي يؤتيه من لدنه فهو اللذة الحاصلة عند الرؤية وعند الاستغراق في المحبة والمعرفة وإنما خص هذا النوع بقوله من لدنه لأن هذا النوع من الغبطة والسعادة والكمال لا ينال بالأعمال الجسدية بل إنما ينال مما يودع الله في جوهر النفس المقدسة من الإشراق والصفاء والنور وبالجملة فذلك التضعيف إشارة إلى السعادات
٢٠٩


الصفحة التالية
Icon