والإشارة أن الصلاة معراج المؤمن وميقات مناجاته والمصلي هو الذي يناجي ربه يعني يا مدعي الإيمان ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَـارَى﴾ أي : لا تجدوا القربة في الصلاة وأنتم سكارى من الغفلات وتتبع الشهوات لأن كل ما أوجب للقلب الذهول عن الله فهو ملتحق بالسكر ومن أجله جعل السكر على أقسام : فسكر من الخمر وسكر من الغفلة لاستيلاء حب الدنيا وأصعب السكر سكرك من نفسك فإن من سكر من الخمر فقضاؤه الحرقة ومن سكر من نفسه ففي الوقت على الحقيقة له القطيعة والفرقة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٢
أي اسيرننك نام خويشتن
بستة خودرا بدام خويشتن
ورنكنجي باود اندر كوى أو
كم شو ازخود تابيابي كوي أو
تاتونزديك خودي زين حرف دور
غائبي يابي اكر خواهي حضور
تاتو ازغفلت وباده مست شهدي
لا جرم ازطور وصلت ست شدي
﴿حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ ولماذا تقولون كما تقولون الله أكبر لتكبيرة الإحرام عند رفع اليدين ومعناه الله أعظم وأجل من كل شيء فإن كنت تعلم عند التقول به فينبغي أن لا يكون في تلك الحالة في قلبك عظمة شيء آخر وأمارة ذلك أن لا تجد ذكر شيء في قلبك مع ذكره تعالى ولا محبة شيء مع محبته ولا طلب شيء مع طلبه فإنه تبارك وتعالى واحد لا يقبل الشركة في جميع صفاته وإلا كنت كاذباً في قولك الله أكبر بالنسبة إلى حالك وكنت كالسكران لا تجد القربة من صلاتك لأن القربة مشروطة بشرط السجود كما خوطب به ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب﴾ (العلق : ١٩) والسجود أن تنزل من مركب
٢١٣
أوصاف وجودك لتحمل على رفرف جوده إلى قاب قوسين أوصاف وجوده لشهود جماله وجلاله وهذا هو سر التشهد بعد السجود ثم قال :﴿وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِى سَبِيلٍ﴾ يعني كما لا تجدون القربة وأنتم سكارى من الغفلات أيضاً لا تجدونها مع جنابة استحقاق البعد وهي ملابسة الدنيا الدنية إلا على طريق العبور بقدم ظاهر الشرع في سبيل الأوامر والنواهي كعبور طريق الاعتداد بالمطعم والمشرب لسد الرمق وحفظ القوة والاكتساء لدفع الحر والبرد وستر العورة والمباشرة لحفظ النسل ﴿حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾ بماء القربة والإنابة وصدق الطلب وحسن الإرادة وخلوص النية من جنابة ملابسة الدنيا وشهواتها ﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَى﴾ بانحراف مزاج القلب في طلب الحق ﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ التردد بين طلب الدنيا وطلب العقبى والمولى ﴿أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَآاـاِطِ﴾ من غائط تتبع الهوى ﴿أَوْ لَـامَسْتُمُ النِّسَآءَ﴾ أي لابستم الأشغال الدنيوية فأجنبتم وتباعدتم عن الله بعدما كنتم مجاوري حظائر القدس ووقعتم في رياض الأنس ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً﴾ صدق ا لإنابة والرجوع إلى الحق بالإعراض والانقطاع عن الخلق ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ وهو تراب أقدام الرجال الطيبين من سوء الأخلاق والأعمال ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ﴾ تراب أقدامهم وتمسكوا ﴿بِأَيْدِيكُمْ﴾ أذيال كرمهم مستسلمين بصدق الإرادة لأحكامهم ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا﴾ يعفو عنكم التعصب وعدم الانقطاع إليه بالكلية ولعله يعفو عنكم التلوث بالدنيا الدنية بهذه الخصلة مرضية ﴿غَفُورًا﴾ لكم آثار الشقوة من غبار الشهوة فإنهم يسعد بهم لأنهم قوم لا يشقى بهم جليسهم :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٢
كليد كنج سعادت قبول أهل دلست
مبادكس كه درين نكته شك وريب كند
شبان واديء أيمن كهى رسد بمراد
كه ند سال بجان خدمت شعيب كند
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ الخطاب لكل من يتأتى منه الرؤية من المؤمنين والرؤية بصرية لشهرة شنائع الموصوفين حتى انتظمت في سلك الأمور المشاهدة ﴿إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا﴾ حظاً كائنا ﴿مِّنَ الْكِتَـابِ﴾ من علم الكتاب وهو التوراة والمراد بهم أحبار اليهود أي ألم تنظر إليهم فإنهم أحقاء بأن تشاهدهم وتتعجب من أحوالهم.
نزلت في حبرين من أحبار اليهود كانا يأتيان رئيس المنافقين عبد الله بن أبي ورهطه يثبطانهم عن الإسلام ﴿يَشْتَرُونَ الضَّلَـالَةَ﴾ كأنه قيل : ماذا يصنعون حتى ينظر إليهم؟ فقيل : يأخذون الضلالة ويتركون ما أوتوه من الهداية ﴿وَيُرِيدُونَ﴾ أي لا يكتفون بضلالة أنفسهم بل يريدون بما فعلوا من كتمان نعوته صلى الله عليه وسلّم ﴿أَن تَضِلُّوا﴾ أنتم أيضاً أيها المؤمنون ﴿السَّبِيلَ﴾ المستقيم الموصل إلى الحق وإنما أرادوا ذلك ليكون الناس كلهم على دينهم فتكون لهم الرياسة على الكل وأخذ المرافق من الكل.


الصفحة التالية
Icon