﴿لَيَّا بِأَلْسِنَتِهِمْ﴾ انتصابه على العلية أي : يقولون ذلك للفتل بها ولصرف الكلام عن نهجه إلى نسبة السب حيث وضعوا غير مسمع موضع لا استمعت مكروهاً وأجروا راعنا المشابهة لراعينا مجرى انظرنا أو فتلا بها وضما لما يظهرون من الدعاء والتوقير إلى ما يضمرون من السب والتحقير ﴿وَطَعْنًا فِى الدِّينِ﴾ أي : قدحاً فيه بالاستهزاء والسخرية ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ﴾ عندما سمعوا شيئاً من أوامر الله ونواهيه ﴿قَالُوا﴾ بلسان المقال أو بلسان الحال مكان قولهم سمعنا وعصينا ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ وبدل قولهم واسمع غير مسمع ﴿وَاسْمَعْ﴾ ولا يلحقون به غير مسمع وبدل قولهم راعنا ﴿وَانظُرْنَا﴾ ولم يدسوا تحت كلامهم شراً وفساداً أي لو ثبت أنهم قالوا هذا مكان ما قالوا من الأقوال.
﴿لَكَانَ﴾ قولهم ذلك ﴿خَيْرًا لَّهُمْ﴾ مما قالوا ﴿وَأَقْوَمَ﴾ أي : أعدل وأسد في نفسه وأصوب من القيم أي : المستقيم، قالوا لمّا لم يكن في الذي اختاروه خير أصلاً فلِمَ جعل هذا خيراً من ذلك وجوابه كذلك على زعمهم فخوطبوا على ذلك وهو كقوله :﴿ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (النمل : ٥٩) ﴿وَلَـاكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾ أي : ولكن قالوا ذلك واستمروا على كفرهم فخذلهم الله وأبعدهم عن الهدى بسبب كفرهم ذلك ﴿فَلا يُؤْمِنُونَ﴾ بعد ذلك ﴿إِلا قَلِيلا﴾ استثناء من ضمير المفعول في لعنهم أي : ولكن لعنهم الله إلا فريقاً قليلاً فإنه تعالى لم يلعنهم فلم ينسد عليهم باب الإيمان وقد آمن بعد ذلك فريق من الأحبار كعبد الله بن سلام وكعب وأضرا بهما وهو استثناء من ضمير لا يؤمنون أي : لا يؤمنون إلا إيماناً قليلاً وهو إيمانهم بموسى وكفرهم بمحمد عليهما السلام.
والإشارة أن العلماء السوء من هذه الأمة ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾ بالفعال لا بالمقال كما كان أهل الكتاب يحرفونه بالمقال.
﴿وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا﴾ بالمقال فيما أمر الله به من ترك الدنيا وزينتها واتباع الهوى ومن إيثار الآخرة على الأولى والانقطاع عن الخلق في طلب المولى ﴿وَعَصَيْنَا﴾ بالفعال إذ لا يشمون روائح هذه المعاملات ولا يدورون حول هذه المقامات وينكرون على أهل هذه الكرامات ويستهزءون بأنواع المقالات فلا يؤمنون بالقلوب السليمة إلا قليلاً منهم بأن يكفروا بهوى نفوسهم ويؤمنوا بالإيمان الحقيقي الذي هو من نتائج الإرادة والصدق في طلب الحق والإخلاص في العملوترك الدنيا وزخارفها بل بذل الوجود في طلب المعبود، قال العطار قدس سره :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٥
مشو مغرور اين نطق مزور
بناداني مكن خودرا تو سرور
اكر علم همه عالم بخواني
وبى عشقي ازو حروفي نداني
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "من تعلم علماً لا يبتغي به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة" أي : ريحها.
قال الشيخ الشاذلي : العلم النافع هو الذي يستعان به على طاعة الله ويلزمك المخافة من الله والوقوف على حدود الله وهو علم المعرفة
٢١٦
بالله.
قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : العلوم كالدنانير والدراهم إن شاء نفعك بها وإن شاء أضرك معها والعلم إن قارنته الخشية فلك أجره وثوابه وحصول النفع به وإلا فعليك وزره وعقابه وقيام الحجة به وعلامة خشية الله ترك الدنيا والخلق ومحاربة النفس والشيطان، فإن الشيخ السعدي قدس سره :
دعوى كنى كه بر ترم ازديكران بعلم
ون كبر كردى ازهمه دونان فروترى
شاخ درخت علم ندانم بجز عمل
تا علم باعمل نكنى شاخ بي بري
علم آدميتست وجوا نمردي وادب
ورنه بدى بصورت الإنسان برابري
ترك هواست كشتى درياي معرفت
عارف بذات شونه بدين قلندري
هر علم راكه كارنه بندى ه فائدة
شم از براي آن بود آخركه بنكري
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٥


الصفحة التالية
Icon