قال الإمام في تفسير الآية وتحقيق القول فيها أن الإنسان في مبدأ خلقته ألف هذا العالم المحسوس ثم إنه عند الفكر والعبودية كأنه يسافر من عالم المحسوسات إلى عالم المعقولات فقدامه عالم المعقولات ووراءه عالم المحسوسات فالمخذول هو الذي يرد من قدامه إلى خلفه كما قال تعالى في وصفهم ﴿نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ﴾ (السجدة : ١٢) انتهى فنعوذ بالله من الحور بعد الكور ومن الشر بعد الخير، عن عبد الله بن أحمد المؤذن قال : كنت أطوف حول البيت وإذا أنا برجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول : اللهم أخرجني من الدنيا مسلماً لا يزيد على ذلك شيئاً فقلت له : لم لا تزيد على هذا الدعاء فقال : لو علمت قصتي كنت تعذرني فقلت : وما قصتك؟ قال : كان لي أخوان وكان الأكبر منهما مؤذناً أذن أربعين سنة احتساباً فلما حضره الموت دعا بالمصحف فظننا أن يتبرك به فأخذه بيده واشهد على نفسه من حضر أنه بريء مما فيه ثم تحول إلى دين النصرانية فمات نصرانياً فلما دفن أذن الآخر ثلاثين سنة فلمّا حضره الموت فعل كما فعل الآخر فمات على النصرانية وإني أخاف على نفسي أن أصير مثلهما فأدعو الله تعالى أن يحفظ على ديني فقلت : ما كان ديدنهما؟ فقال : كانا يتتبعان عورات النساء وينظران إلى المردان فهذا من آثار الرد واللعن والمسخ فنسأل الله تعالى أن يوفقنا لتزكية النفس وإصلاحها ويختم عاقبتنا بالخير.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٧
خدايا بحب بني فاطمة
كه بر قول ايمان كنم خاتمه
﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ أي : لا يغفر الكفر ممن اتصف به بلا توبة وإيمان لأن الحكمة التشريعية مقتضية لسد باب الكفر وجواز مغفرته بلا إيمان مما يؤدي إلى فتحها ولأن ظلمات الكفر والمعاصي إنما يسترها نور الإيمان فمن لم يكن له إيمان لم يغفر له شيء من الكفر والمعاصي ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَالِكَ﴾ أي : ويغفر ما دون الشرك في القبح من المعاصي صغيرة كانت أو كبيرة تفضلاً من لدنه وإحساناً من غير توبة عنها لكن لا لكل أحد بل ﴿لِمَن يَشَآءُ﴾ أن يغفر له ممن اتصف به فقط أي : لا بما فوقه.
قال شيخنا السيد الثاني سمي جامع القرآن : وهم المؤمنون
٢١٨
الذين اتقوا من الإشراك بالله تعالى فيغفر لهم ما دون الإشراك من الصغائر والكبائر لعدم إشراكهم به ولا يغفر للمشركين ما دون الإشراك أيضاً لإشراكهم به فكما أن إشراكهم لا يغفر فكذلك ما دون إشراكهم لا يغفر بخلاف المؤمنين فإنه تعالى كما وقاهم من عذاب الإشراك بحفظهم عنه كذلك وقاهم من عذاب ما دونه بمغفرته لهم ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ أي : من افترى واختلق مرتكباً إثماً لا يقادر قدره ويستحقر دونه جميع الآثام فلا تتعلق به المغفرة قطعاً.
وهذه الآية من أجل الآيات التي كانت خيراً لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وما غربت وأعظمها لأنها تؤذن بأن ما دون الشرك من الذنب مغفور بحسب المشيئة والوعد المعلق بالمشيئة من الكريم محقق الإنجاز خصوصاً لعباده الموحدين المخلصين من المحمديين كما قال لهم ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ (الزمر : ٥٣).
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٧