﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ﴾ إلى اليهود الذين ﴿أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَـابِ﴾ حظاً من علم التوراة أي : انظر يا محمد وتعجب من حالهم فكأنه قيل ماذا يفعلون حتى ينظر إليهم فقيل :﴿يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ﴾ في الأصل اسم صنم فاستعمل في كل ما عبد من دون الله ﴿وَالطَّـاغُوتِ﴾ الشيطان ويطلق لكل باطل من معبود أو غيره.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢١
ـ روي ـ أن حيى بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكة في سبعين راكباً من اليهود ليحالفوا قريشاً على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه عليه السلام فقالوا : أنتم أهل كتاب
٢٢١
وأنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا فلا نأمن مكركم فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا فهذا إيمانهم بالجبت والطاغوت لأنهم سجدوا للأصنام وأطاعوا إبليس فيما فعلوا وقال أبو سفيان لكعب : إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم فأينا أهدى طريقاً نحن أم محمد؟ فقال : ماذا يقول محمد؟ قال : يأمر بعبادة الله تعالى وحده وينهى عن الشرك قال : وما دينكم؟ قالوا : نحن ولاة البيت نسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني وذكروا أفعالهم قال : أنتم أهدى سبيلاً وذلك قوله تعالى :﴿وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي : لأجلهم وفي حقهم ﴿هَـاؤُلاءِ﴾ إشارة إلى الذين كفروا ﴿أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا سَبِيلا﴾ أي أقوم ديناً وأرشد طريقة ﴿أولئك﴾ إشارة إلى القائلين ﴿الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ﴾ أي أبعدهم عن رحمته وطردهم ﴿وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ﴾ أي : يعبده عن رحمته تعالى :﴿فَلَن تَجِدَ لَه نَصِيرًا﴾ يدفع عنه العذاب دنيوياً كان أو أخروياً لا بشفاعة ولا بغيرها.
وفيه تنصيص على حرمانهم مما طلبوا من قريش ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ﴾ أم منقطعة ومعنى الهمزة إنكار أن يكون لهم نصيب من الملك وجحد لما زعمت اليهود من أن ملك الدنيا سيصير إليهم ﴿فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ أي لو كان لهم نصيب من الملك فإذن لا يؤتون أحداً مقدار نقير وهو النقرة في ظهر النواة يضرب به المثل في القلة والحقارة وهذا هو البيان الكاشف عن كل حالهم فإنهم إذا بخلوا بالنقير وهم ملوك فما ظنك بهم إذا كانوا أذلاء متفاقدين ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ﴾ منقطعة أيضاً ﴿النَّاسُ﴾ بل أيحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه ﴿عَلَى مَآ ءَاتَـاـاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ يعني : النبوة والكتاب وازدياد العز والنصر يوماً فيوماً ﴿فَقَدْ ءَاتَيْنَآ﴾ يعني أن حسدهم المذكور في غاية القبح والبطلان فإنا قد آتينا من قبل هذا ﴿إِبْرَاهِيمَ الْكِتَـابَ﴾ الذين هم أسلاف محمد صلى الله عليه وسلّم وأبناء أعمامه ﴿الْكِتَـابِ﴾ المنزل من السماء ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾ أي : النبوة والعلم ﴿وَءَاتَيْنَـاهُم﴾ مع ذلك ﴿مُّلْكًا عَظِيمًا﴾ لا يقادر قدره فكيف يستبعدون نبوته صلى الله عليه وسلّم ويحسدونه على إيتائها قال ابن عباس رضي الله عنهما : الملك في آل إبراهيم ملك يوسف وداود وسليمان عليهم السلام ﴿فَمِنْهُم﴾ من اليهود ﴿مَّنْ ءَامَنَ بِهِ﴾ بمحمد عليه السلام ﴿وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ﴾ أي أعرض عنه ولم يؤمن به ﴿وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا﴾ ناراً مسعورة أي موقدة يعذبون بها أي : إن لم يعجلوا بالعقوبة فقد كفاهم ما أعد لهم من سعير جهنم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢١
واعلم أن الله تعالى وصف اليهود في الآية المتقدمة بالجهل الشديد وهو اعتقادهم أن عبادة الأوثان أفضل من عبادة الله تعالى ثم وصفهم بالبخل والحسد.
فالبخل هو أن لا يدفع إلى أحد شيئاً مما آتاه الله من النعمة.
والحسد هو أن يتمنى أن لا يعطي الله غيره شيئاً من النعم فالبخل والحسد يشتركان في من يريد منع النعمة عن الغير.
فأما البخيل فيمنع نعمة نفسه عن غيره.
وأما الحاسد فيريد أن يمنع نعمة الله عن عباده فهما شر الرذائل وسببهما الجهل.
أما البخل فلأن بذل المال سبب لطهارة النفس ولحصول سعادة الآخرة وحبس المال سبب لحصول مال الدنيا في يده فالبخل يدعوك إلى الدنيا ويمنعك عن الآخرة والجود يدعوك إلى الآخرة ويمنعك عن الدنيا ولا شك أن ترجيح الدنيا على الآخرة لا يكون إلا من محض الجهل.
وأما الحسد
٢٢٢
فلأن الآلهية عبارة عن إيصال النعم والإحسان إلى العبيد فمن كره ذلك فكأنه أراد عزل الإله عن الإلهية وذلك محض الجهل ثم إن الحسد لا يحصل إلا عند الفضيلة فكلما كانت فضيلة الإنسان أتم وأكمل كان حسد الحاسدين عليه أعظم، قال السعدي قدس سره :
شور بختان بآرزو خواهد
مقبلا نرا زوال نعمت وجاه
كرنبيند بروز شبره شم
شمه آفتابرا ه كناه
راست خواهي هزار شم نان
كور بهتركه آفتاب سياه