فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز" قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "أهل الجنة شباب جعد جرد مرد ليس لهم شعر إلا في الرأس والحاجبين واشفار العينين" يعني : ليس لهم شعر عانة ولا شعر من الإبط "على طول آدم عليه السلام ستون ذراعاً وعلى مولد عيسى عليه السلام ثلاث وثلاثون سنة بيض الألوان خضر الثياب يوضع لأحدهم مائدة بين يديه فيقبل الطائر فيقول : يا ولي الله أما إني قد شربت من عين السلسبيل ورعيت من رياض الجنة تحت العرش وأكلت من ثمار كذا فاطعم مني فيطعم فيكون أحد جانبيه مطبوخاً والآخر مشوياً فيأكل منهما ما شاء الله وعليه سبعون حلة ليس فيها حلة على لون آخر".
قال الفقيه أبو الليث : من أراد أن ينال هذه الكرامة فعليه أن يداوم على خمسة أشياء :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢٣
الأول : أن يمنع نفسه من جميع المعاصي.
ونهى النفس بفرمود الله
بايدت ترك هواي ترك كناه
والثاني : أن يرضى باليسير من الدنيا لأن ثمن الجنة ترك الدنيا.
اين زن زانية شوي كش دنيارا
كر على وار طلاقش ندهم نامردم
والثالث : أن يكون حريصاً على الطاعات فيتعلق بكل طاعة فلعل تلك الطاعة تكون سبب المغفرة ودخول الجنة.
عمل بايد اندر طريقت نه دم
كه سودى ندارد دم بي قدم
والرابع : أن يحب الصالحين وأهل الخير ويخالطهم ويجالسهم :
نخست موعظه ير مجلس اين حرفست
كه از مصاحب ناجنس احتراز كنيد
فلزم أن يكون مصاحب الإنسان أهل خير لأن الصحبة مؤثرة وأن واحداً من الصلحاء إذا غفر الله له يشفع لإخوانه وأصحابه.
اميدس ازانان كه طاعت كنند
كه بي طاعتا نرا شفاعت كنند
والخامس : أن يكثر الدعاء ويسأل الله تعالى أن يرزقه الجنة وأن يجعل خاتمته في الخير.
غنيمت شمارند مردان دعا
كه جوشن بود يش تير بلا
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢٣
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الامَـانَـاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ نزلت في عثمان بن عبد الدار الحجبي وكان سادن الكعبة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين دخل مكة يوم الفتح أغلق عثمان باب الكعبة وصعد السطح وأبى أن يدفع المفتاح إليه وقال : لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فلوى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يده وأخذه منه وفتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصلى ركعتين فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة فنزلت، فأمر علياً أن يرده إلى عثمان ويعتذر إليه فقال عثمان لعلي : أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق فقال : لقد أنزل الله تعالى في شأنك قرآناً وقرأ عليه فقال عثمان : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهبط جبريل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن السدانة في أولاد عثمان أبداً، ثم إن عثمان هاجر ودفع المفتاح إلى ابنه شيبة فهو في ولده إلى اليوم ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم﴾ أي : ويأمركم إذا قضيتم ﴿بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ والإنصاف والتسوية
٢٢٦
﴿إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ﴾ أي نعم شيئاً ينصحكم به تأدية الأمانة والحكم بالعدل فلما نكرة بمعنى شيء ويعظكم به صفته والمخصوص بالمدح محذوف ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعَا﴾ لما يقوله الخزنة ﴿بَصِيرًا﴾ بما تعمله الأمناء أي اعملوا بأمر الله ووعظه فإنه أعلم بالمسموعات والمبصرات يجازيكم على ما يصدر منكم.
اعلم أن الأمانة عبارة عما إذا وجب لغيرك عليك حق فأديت ذلك الحق إليه.
والحكم بالحق عبارة عما إذا وجب للإنسان على غيره حق فأمرت من وجب عليه ذلك الحق بأن يدفع إلى من له ذلك الحق ولما كان الترتيب الصحيح أن يبذل الإنسان نفسه في جلب المنافع ودفع المضار ثم يشتغل بحال غيره لا جرم أنه تعالى ذكر الأمر بالأمانة أولاً ثم بعده ذكر الأمر بالحكم بالحق ونزول هذه الآية عند القصة المذكورة لا يوجب كونها مخصوصة بهذه القصة بل يدخل فيه جميع أنواع الأمانات.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢٦
فاعلم أن معاملة الإنسان إما أن تكون مع ربه أو مع سائر العباد أو مع نفسه ولا بد من رعاية الأمانة في جميع هذه الأقسام الثلاثة.
أما رعاية الأمانة مع الرب فهي فعل المأمورات وترك المنهيات وهذا بحر لا ساحل له قال ابن مسعود : الأمانة في كل شيء لازمة في الوضوء والجنابة والصلاة والزكاة والصوم وغير ذلك.
مثلاً إن أمانة اللسان أن لا يستعمله في الكذب والغيبة والنميمة والكفر والبدعة والفحش وغيرها.
وأمانة العينين أن لا يستعملها في النظر إلى الحرام.
وأمانة السمع أن لا يستعمله في سماع الملاهي والمناهي واستماع الفحش والأكاذيب وغيرها وكذا القول في جميع الأعضاء، قال السعدي قدس سره :
زبان ازبهر شكر وساش
بغيبت نكرداندش حق شناس
كذركاه قرآن وبندست كوش
به بهتان وباطل شنيدن مكوش
دوشم ازى ازى صنع بارى نكوست
نه عيب برادر بود كيردوست