المطوية على الشرور التي يعلمها الله تعالى أو في أنفسهم خالياً بهم ليس معهم غيرهم مساراً بالنصيحة لأنها في السرانجع ﴿قَوْا بَلِيغًا﴾ مؤثراً وأصلاً إلى كنه المراد مطابقاً لما سبق له المقصود والقول البليغ بأن يقول إن الله يعلم سركم وما في قلوبكم فلا يغني عنكم إخفاؤه فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم من رذيلة الكفر وداووها من مرض النفاق وإلا أنزل الله بكم ما أنزل بالمجاهرين بالشرك وشراً من ذلك واغلظ عسى أن تنجع فيهم الموعظة ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أي وما أرسلنا رسولاً من الرسل لشيء من الأشياء إلا ليطاع بسبب إذنه تعالى في طاعته وأمره المبعوث إليهم بأن يطيعوه ويتبعوه لأنه مؤد عنه تعالى وطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ﴾ وعرضوها للعذاب بترك طاعتك والتحاكم إلى غيرك تائبين من النفاق ﴿فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ﴾ بالتوبة والإخلاص ﴿وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ﴾ بأن يسأل الله أن يغفر لهم عند توبتهم.
فإن قلت : لو تابوا على وجه صحيح لقبلت توبتهم فما الفائدة في ضم استغفار الرسول إلى استغفارهم.
قلت : التحاكم إلى الطاغوت كان مخالفة لحكم الله وكان أيضاً إساءة إلى الرسول عليه السلام وإدخالاً للغم إلى قلبه عليه السلام ومن كان ذنبه كذلك وجب عليه الاعتذار عن ذلك الغير ﴿لَوَجَدُوا اللَّهَ﴾ لصادفوه حال كونه تعالى ﴿تَوَّابًا﴾ مبالغاً في قبول التوبة ﴿رَّحِيمًا﴾ مبالغاً في التفضل عليهم بالرحمة بدل من توابا ﴿فَلا﴾ أي ليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا وهم يخالفون حكمك ثم استأنف القسم فقال :﴿وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ﴾ أي : يجعلونك حكماً يا محمد ويترافعوا إليك ﴿فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ أي فيما اختلف بينهم من الأمور واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه ﴿ثُمَّ لا يَجِدُوا﴾ عطف على مقدر ينساق إليه الكلام أي فتقضى بينهم ثم لا يجدوا ﴿فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا﴾ ضيقاً ﴿مِّمَّا قَضَيْتَ﴾ أي مما قضيت به يعني يرضون بقضائك ولا تضيق صدورهم من حكمك ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وينقادوا لك انقياداً بظاهرهم وباطهم.
وفي هذه الآيات دلائل على أن من رد شيئاً من أوامر الله وأوامر الرسول صلى الله عليه وسلّم فهو خارج عن الإسلام سواء رده من جهة الشك أو من جهة التمرد وذلك يوجب صحة ما ذهبت الصحابة إليه من الحكم بارتداد مانعي الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم فاتباع الرسول عليه السلام فرض عين في الفرائض العينية وفرض كفاية في الفروض على سبيل الكفاية وواجب في الواجبات وسنة في السنن وهكذا ومخالفته تزيل نعمة الإسلام :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٠
خلاف يمبر كسى ره كزيد
كه هركز بمنزل نخواهدرسيد
فالنبي صلى الله عليه وسلّم هو الدليل في طريق الحق ومخالفة الدليل ضلالة، قال الحافظ :
بكوى عشق منه بي دليل راه قدم
كه من بخويش نمودم صد اهتمام ونشد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تابعاً لما جئت به" وقال عليه السلام :"من ضيع سنتي" أي جعلها ضائعة بعدم اتباعها "حرمت عليه شفاعتي" وقال صلى الله عليه وسلّم "من حفظ سنتي أكرمه الله تعالى بأربع خصال : المحبة في قلوب البررة، والهيبة في قلوب الفجرة، والسعة في الروق، والثقة في الدين" فإنما أمته من اتبعه ولا يتبعه إلا من أعرض عن الدنيا فإنه عليه السلام ما دعا إلا إلى الله تعالى
٢٣١
واليوم الآخر وما صرف إلا عن الدنيا والحظوظ العاجلة فبقدر ما أعرضت عنها وأقبلت على الله وصرفت الأوقات لأعمال الآخرة فقد سلكت سبيله الذي سلكه وبقدر ذلك اتبعته وبقدر ما اتبعته صرت من أمته ولو أنصفنا لعلمنا أننا من حين نمسي إلى حين نصبح لا نسعى إلا في الحظوظ العاجلة ولا نتحرك إلا لأجل الدنيا الفانية ثم نطمع في أن نكون غداً من أمته واتباعه.


الصفحة التالية
Icon