ـ روي ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"لَيأتي على الناس زمان تخلق سنتي فيه وتتجدد فيه البدعة فمن اتبع سنتي يومئذٍ صار غريباً وبقي وحيداً ومن اتبع بدع الناس وجد خمسين صاحباً أو أكثر" فقال الصحابة يا رسول الله عليك السلام هل بعدنا أحد أفضل منا؟ قال :"بلى" قالوا : أفيرونك يا رسول؟ قال :"لا" قالوا : فكيف يكونون فيها؟ قال :"كالملح في الماء تذوب قلوبهم كما يذوب الملح في الماء" قالوا : فكيف يعيشون في ذلك الزمان؟ قال :"كالدود في الخل" قالوا : كيف يحفظون دينهم يا رسول الله؟ قال :"كالفحم في اليد إن وضعته طفىء وإن أمسكته أو عصرته أحرق اليد" وعن أبي نحيج العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : وعظنا رسول الله موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودّع فأوصنا قال :"أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عبد وإنه من يعيش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهتدين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" فعلى المؤمن أن يتبع سنة الرسول ويجتنب عن كل ما هو بدعة وضلالة ويصلح ظاهره بالشريعة وباطنه بالطريقة حتى ينال شفاعته صلى الله عليه وسلّم يوم القيامة ويتخلص من عذاب النار ويدخل الجنة مع الأبرار.
فالمؤمن في الآخرة في الجنات كشجرة مثمرة لا تنفك عن البستان.
والمنافق في الدركات كشجرة غير مثمرة تقلع من البستان وتوقد بها النار، قال الفردوسي :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٠
درختي كه شيرين بود باراو
نكردد كسى كرد ازار او
وكر زانك شيرين نباشد برش
زاي اندر آرند ناكه سرش
بماند بباغ آن ورد آتش اين
تو خواهي نان باش وخواهي نين
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٠
﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ﴾ أي : أوجبنا أو فرضنا على هؤلاء المنافقين.
﴿أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَـارِكُم﴾ كما أوجبناه على بني إسرائيل حين طلبوا التوبة من ذنوبهم ﴿مَّا فَعَلُوهُ﴾ أي المكتوب المدلول عليه بكتبنا ﴿إِلا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ إلا ناس قليل منهم وهم المخلصون ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ﴾ من متابعة الرسول وطاعته والمشي تحت رايته والانقياد لما يراه ويحكم به ظاهراً وباطناً وسميت أوامر الله ونواهيه مواعظ لاقترانها بالوعد والوعيد والترغيب والترهيب ﴿لَكَانَ﴾ أي فعلهم ذلك ﴿خَيْرًا لَّهُمْ﴾ أي : أحمد عاقبة في الدارين ﴿وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ لهم على الإيمان وأبعد من الاضطراب فيه ﴿وَإِذَا﴾ كأنه قيل : وماذا يكون لهم بعد التثبيت؟ فقيل : وإذا لو ثبتوا ﴿لاتَيْنَـاهُم مِّن لَّدُنَّآ﴾ من عندنا ﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾ ثواباً كثيراً في الآخرة لا ينقطع ﴿وَلَهَدَيْنَـاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾ يصلون بسلوكه إلى عالم القدس ويفتح لهم أبواب الغيب قال صلى الله عليه وسلّم "من عمل بما علم ورثه الله علم
٢٣٢
ما لم يعلم".
واعلم أن قتل النفس في الحقيقة قمع هواها التي هي حياتها وإفناء صفاتها والخروج من الديار خروج من المقامات التي سكنت القلوب بها وألفتها من الصبر والتوكل والرضى والتسليم وأمثالها لكونها حاجبة عن التوحيد والفناء في الذات كما قال الحسين بن منصور لإبراهيم بن أدهم حين سأله عن حاله وأجابه بقوله أدور في الصحاري وأطوف في البراري بحيث لا ماء ولا شجر ولا روض ولا مطر هل حالي حال التوكل أو لا؟ فقال : إذا أفنيت عمرك في عمران باطنك فأين الفناء في التوحيد.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٢
جان عارف دوست را طالب شده
نور حق باستيش غالب شده
رتو ذات از حجاب كبريا
كرده اورا غره بحر فنا
وعن إبراهيم بن أدهم قال : دخلت جبل لبنان فإذا أنا بشاب قائم وهو يقول : يا من شوقي إليه وقلبي محب له ونفسي له خادم وكلي فناء في إرادتك ومشيئتك فأنت ولا غيرك متى تنجيني من هذه العذرة قلت : رحمك الله ما علامة حب الله؟ قال : اشتهاء لقائه قلت : فما علامة المشتاق؟ قال : لا له قرار ولا سكون في ليل ولا نهار من شوقه إلى ربه قلت : فما علامة الفاني؟ قال : لا يعرف الصديق من العدو ولا الحلو من المر من فنائه عن رسمه ونفسه وجسمه قلت : فما علامة الخادم قال : إنه يرفع قلبه وجوارحه وطمعه من ثواب الله، قال الحافظ قدس سره :
توبندكي و كدايان بشرط مزد مكن
كه دوست خودروش بنده روري داند
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "لا يكونن أحدكم كالعبد السوء إن خاف عمل ولا كالأجير السوء إن لم يعط لم يعمل" وبالجملة إنه لا بد للسالك من إقامة وظائف العبادات والأوراد فإن الله أودع أنوار الملكوت في أصناف الطاعات فإن من فاته صنف أو أعوزه من الموافقات جنس فقد من النور بمقدار ذلك وليس للوصول سبيل ولا إلى الفناء دليل غير العبودية وترك ما سوى الحق.
بشب حلاج راديدند در خواب
بريده سر بكف برجام جلاب
بدو كفتند وني سر بريده