واسطة رزقنا الله وإياكم الفوز بهذا النعيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "لا يزال العبد يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ولا يزال يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" وأقل الصدق استواء السر والعلانية والصادق من صدق في أقواله والصديق من صدق في جميع أقواله وأفعاله وأحواله.
وكان جعفر الخواص يقول : الصادق لا تراه إلا في فرض يؤديه أو فضل يعمل فيه وثمرات الصدق كثيرة فمن بركاته في الدنيا أنه حكي عن أبي عمر الزجاجي أنه قال : ماتت أمي فورثت داراً فبعتها بخمسين ديناراً وخرجت إلى الحج فلما بلغت بابل استقبلني واحد من القافلة وقال : أي شيء معك؟ فقلت من نفسي الصدق خير ثم قلت : خمسون ديناراً فقال : ناولنيها فناولته الصرة فحلها فإذا هي خمسون وقال لي : خذها فلقد أخذني صدقك ثم نزل عن الدابة وقال : اركبها فقلت : لا أريد فقال : لا وألح فركبتها فقال : وأنا على أثرك فلما كان العام القابل لحق بي ولازمني حتى مات، قال الحافظ قدس سره :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٣
بصدق كوش كه خورشيد زايد ازنفست
كه از دروغ سيه روى كشت صبح نخست
يعني أن الصبح الكاذب تعقبه الظلمة والصبح الصادق يعقبه النور فمن صدق فقد بهر منه النور يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} أي : تيقظوا واحترزوا من العدو ولا تمكنوه من أنفسكم يقال : أخذ حذره إذا تيقظ واحترز من المخوف كأنه جعل الحذر آلته التي يقي بها نفسه ويعصم بها روحه ﴿فَانفِرُوا﴾ فاخرجوا إلى جهاد العدو ﴿ثُبَاتٍ﴾ جماعات متفرقة سرية بعد سرية إلى جهات شتى وذلك إذا لم يخرج النبي عليه السلام.
جمع ثبة وهي جماعة من الرجال فوق العشرة ومحلها النصب على الحالية ﴿أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ مجتمعين كوكبة واحدة ولا تتخاذلوا فتلقوا بأنفسكم إلى التهلكة وذلك إذا خرج النبي عليه السلام.
﴿وَإِنَّ مِنكُمْ﴾ خطاب لعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم كلهم المؤمنين والمنافقين ﴿لِّمَنِ﴾ الذي أقسم بالله ﴿لَّيُبَطِّئَنَّ﴾ ليتأخرن عن الغزو ويتخلفن تثاقلاً من بطأ لازم بمعنى أبطأ أو ليبطئن غيره ويثبطه عن الجهاد وكان هذا ديدن المنافق عبد الله بن أبي وهو الذي يثبط الناس يوم أحد والأول أنسب لما بعده وهو قوله تعالى حكاية يا الَيتَنِى كُنتُ مَعَهُمْ} وبالجملة المراد بالمبطئين المنافقون من العسكر لأنهم كانوا يغزون نفاقاً ﴿فَإِنْ أَصَـابَتْكُم مُّصِيبَةٌ﴾ نالتكم نكبة من الأعداء كقتل وهزيمة ﴿قَالَ﴾ أي : المبطىء فرحاً بصنعه وحامداً لربه ﴿قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَىَّ﴾ أي : بالقعودوالتخلف عن القتال ﴿إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا﴾ أي حاضراً في المعركة فيصيبني ما أصابهم ﴿وَلَـاـاِنْ أَصَـابَكُمْ فَضْلٌ﴾ كائن ﴿مِّنَ اللَّهِ﴾ كفتح وغنيمة ﴿لَيَقُولَنَّ﴾ ندامة على تثبيطه وقعوده وتهالكاً على حطام الدنيا وتحسراً على فواته ﴿كَأَن لَّمْ تَكُنا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَه مَوَدَّةٌ﴾ اعتراض وسط بين الفعل ومفعوله الذي هو قوم
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٣
يا الَيتَنِى كُنتُ مَعَهُمْ} في تلك الغزوة ﴿فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ أي آخذ حظاً وافراً من الغنيمة وإنما وسعه بينهما لئلا يفهم من مطلع كلامه أن تمنيه معية المؤمنين لنصرتهم ومظاهرتهم حسبما يقتضيه ما في البين من المودة بل هو للحرص على المال كما ينطق به آخره وليس إثبات المودة في البين بطريق التحقيق بل بطريق التهكم ﴿فَلْيُقَـاتِلْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا بِالاخِرَةِ﴾ أي : يبيعونها بها ويأخذون الآخرة بدلها
٢٣٥


الصفحة التالية
Icon