قال بعض المشايخ إنما جعل الدار الآخرة محلاً لجزاء عباده المؤمنين لأن هذه الدار لا تسع ما يريد أن يعطيهم ظاهراً وباطناً وكل ما في الجنة لا يوافق ما في الدنيا إلا من حيث التسمية ولأنه تعالى أجل أقدارهم عن أن يجازيهم في دار لا بقاء لها قال تعالى :﴿وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىا﴾ ثم الجزاء في تلك الدار له علامة في هذه الدار وهي أنه من وجد ثمرة عمله عاجلاً وهي الحلاوة فيه والتوفيق لغيره والشكر عليه
٢٤٠
فهو دليل على وجود القبول لأن الجزاء على ذلك مقصور.
قال إبراهيم بن أدهم : لو يعلم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.
وقال بعضهم : ليس شيء من البر إلا ودونه عقبة يحتاج إلى الصبر فيها فمن صبر على شدتها أفضى إلى الراحة والسهولة وإنما هي مجاهدة النفس ثم مخالفة الهوى ثم المكابدة في ترك الدنيا ثم اللذة والتنعم وإنما يطيع العبد ربه على قدر منزلته منه فمن سره أن يعوف منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله في قلبه.
وقيل لبعضهم : هل تعرف الله؟ فغضب وقال : تراني أعبد من لا أعرف فقال له السائل : أو تعصي من تعرف، قال السعدي قدس سره :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٩
عمري كه ميرود بهمه حال سعى كن
تادر رضاي خالق بيون بسر بري
وقال أيضاً :
ير بودي وره ندانستي
تونه يرى كه طفل كتابي
﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ﴾ المقدر بالأجل أو العذاب وفي لفظ الإدراك إشعار بأنهم في الهرب منه وهو مجد في طلبهم وهو كلام مبتدأ لا محل له من الإعراب ﴿وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ أي وإن كنتم في قصور عالية إلى السماء محكمة بالشيد وهو الجص لا يصعد إليها بنو آدم.
قال مجاهد في هذه الآية : كان فيمن قبلكم امرأة وكان لها أجير فولدت جارية فقالت لأجيرها : اقتبس لنا ناراً فخرج فوجد بالباب رجلاً فقال له الرجل : ما ولدت هذه المرأة قال : جارية قال : أما هذه الجارية لا تموت حتى تزني بمائة ويتزوجها أجيرها ويكون موتها بالعنكبوت فقال الأجير في نفسه : فأنا أريد هذه بعد أن تفجر بمائة لأقتلنها فأخذ شفرة فدخل فشق بطن الصغيرة وخرج على وجهه وركب البحر وخيط بطن الصبية فعولجت وبرئت وشبت فكانت تزني فأتت ساحلاً من ساحل البحر فأقامت عليه تزني ولبث الرجل ما شاء الله ثم قدم ذلك الساحل ومعه مال كثير فقال لامرأة من أهل الساحل : اطلعي لي امرأة من أجمل النساء أتزوجها فقالت : ههنا امرأة من أجمل النساء ولكنها تفجر فقال : ائتيني بها فأتتها فقالت : قد قدم رجل له مال كثير وقال لي كذا وكذا فقالت : إني تركت الفجور ولكن إن أراد أن يتزوجني تزوجته قال : فتزوجها فوقعت منه موقعاً فبينما هو يوماً عندها إذ أخبرها بأمره فقالت : أنا تلك الجارية وأرته الشق في بطنها وقد كنت أفجر فما أدري بمائة أو أقل أو أكثر فقال زوجها في نفسه : إن الرجل الذي كان خارج الباب قال : يكون موتها بالعنكبوت ثم أخبرها بذلك قال : فبنى لها برجاً في الصحراء وشيده فبينما هي يوماً في ذلك البرج إذا عنكبوت في السقف فقالت : هذا يقتلني لأقتلنه إذ لا يقتله أحد غيري فحركته فسقط فأتته فوضعت إبهام رجلها عليه فشدخته فساح سمه بين ظفرها واللحم فاسودت رجلها فماتت وفي ذلك نزلت هذه الآية ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ﴾ وأجمعت الأمة على أن الموت ليس له سن معلوم ولا أجل معلوم ولا مرض معلوم وذلك ليكون المرء على أهبة من ذلك مستعداً لذلك قال عليه السلام :"أكثروا ذكرها ذم اللذات" يعني الموت وهو كلام مختصر وجيز قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة فإن من ذكر الموت حقيقة ذكره نغص عليه اللذة الحاضرة ومنعه من تمنيها في المستقبل وزهده فيما كان منها يؤمل ولكن النفوس
٢٤١
الراكدة والقلوب الغافلة تحتاج إلى تطويل الوعاظ وتزويق الألفاظ وإلا ففي قوله عليه السلام :"أكثروا ذكر هاذم اللذات" مع قوله تعالى :﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآاـاِقَةُ الْمَوْتِ﴾ ما يكفي السامع ويشغل الناظر فيه، قال الحافظ قدس سره :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٩
سهر برشده رويزنست خون افشان
كه ريزه اش سركسري وتاج رويزست
قال السعدي قدس سره :
جهان أي سر ملك جاويد نيست
زدنيا وفاداري اميد نيست
نه برباد رفتى سحركاه وشام
سرير سليمان عليه السلام
بآخر نديدى كه برباد رفت
خنك آنكه بادانش وداررفت