والإشارة في الآية أن يا أهل البطالة في زي الطلبة الذين غلب عليكم الهوى وحبب إليكم الدنيا فأقعدكم عن طلب المولى ثم رضيتم بالحياة الدنيا واطمأننتم بها ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ﴾ اضطراراً إن لم تموتوا قبل أن تموتوا اختياراً ﴿وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ أي أجساد مجسمة قوية أمزجتها أوصلنا الله وإياكم إلى حقيقة الفناء والبقاء آمين ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ﴾ أي نعمة كخصب ﴿يَقُولُوا هَـاذِه مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ نسبوها إلى الله ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ بلية كقحط ﴿يَقُولُوا هَـاذِه مِنْ عِندِكَ﴾ أضافوها إليك يا محمد وقالوا : إن هي إلا بشؤمك كما قالت اليهود منذ دخل محمد المدينة نقصت ثمارها وغلت أسعارها ﴿قُلْ كُلٌّ﴾ من الحسنة والسيئة ﴿مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ يبسط ويقبض حسب إرادته ﴿فَمَالِ هَـاؤُلاءِ الْقَوْمِ﴾ أي أي شيء حصل لليهود والمنافقين من العلل حال كونهم ﴿لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ أي لا يقربون من فهم حديث عن الله تعالى كالبهائم ولو فهموا لعلموا أن الكل من عند الله والفقه هو الفهم ثم اختص من جهة العرف بعلم الفتوى ﴿مَّآ أَصَابَكَ﴾ يا إنسان ﴿مِنْ حَسَنَةٍ﴾ من خير ونعمة ﴿فَمَنَّ اللَّهُ﴾ تفضلاً منه فإن كل ما يفعله الإنسان من الطاعة لا يكافىء نعمة الوجود فكيف يقتضي غيره ولذلك قال عليه السلام :"ما أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله" قيل : ولا أنت قال :"ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته" ﴿وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ﴾ من بلية وشيء تكرهه ﴿فَمِن نَّفْسِكَ﴾ لأنها السبب فيها لاستجلابها المعاصي وهو لا ينافي قوله ﴿كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ﴾ فإن الكل منه إيجاداً وإيصالاً غير أن الحسنة إحسان وامتنان والسيئة مجازاة وانتقام كما قالت عائشة رضي الله عنها : ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها وحتى انقطاع شسع نعله إلا بذنب وما يغفر الله أكثر.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٩
واعلم أن للأعمال أربع مراتب : منها مرتبتانتعالى وليس للعبد فيهما مدخل وهما التقدير والخلق، ومنها مرتبتان للعبد هما الكسب والفعل فإن الله تعالى منزه عن الكسب وفعل السيئة وأنهما يتعلقان بالعبد ولكن العبد وكسبه مخلوق خلقه الله تعالى كما قال :﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ (الصافات : ٩٦) فهذا تحقيق قوله :﴿قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ﴾ أي خلقا وتقديراً لاكسبا وفعلا فافهم واعتقد فإنه مذهب أهل الحق وأرباب الحقيقة كذا في "التأيلات النجمية".
قال الضحاك ما حفظ الرجل القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ
٢٤٢
﴿وَمَآ أَصَـابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ (الشورى : ٣٠) قال : فنسيان القرآن من أعظم المصائب ﴿وَأَرْسَلْنَـاكَ لِلنَّاسِ رَسُولا﴾ (النساء : ٧٩) أي رسولاً للناس جميعاً لست برسول للعرب وحده بل أنت رسول العرب والعجم كقوله تعالى :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ إِلا كَآفَّةً لِّلنَّاسِ﴾ (سبأ : ٢٨) فرسولاً حال قصد بها تعميم الرسالة والجار متعلق بها قدم عليها للاختصاص ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ على رسالتك بنصب المعجزات.
وفي "التأويلات النجمية" يشير بقوله تعالى :﴿وَأَرْسَلْنَـاكَ لِلنَّاسِ رَسُولا﴾ أي الناس الذين قد نسوا الله ونسوا ما شاهدوا منه وما عاهدوا عليه الله وأرسلناك إليهم لتبلغهم كلامنا وتذكرهم أيامنا وتجدد لهم عهودنا وترغبهم في شهودنا وتدعوهم إلينا وتهديهم إلى صراطنا وتكون لهم سراجاً منيراً يهتدون بهداك ويتبعون خطاك إلى أن توصلهم إلى الدرجات العلى وتنزلهم في المقصد الأعلى ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ أي شاهداً لأحبائه وأوليائه لئلا يكتفوا براحة دون لقائه انتهى، قال الحافظ قدس سره :
يوسف عزيزم رفت اي برادر آن زمن
كزغمش عجب ديدم حال ير كنعان
وفي الآية تعليم الأدب ورؤية التأثير من الله تعالى.
ـ روي ـ أن أبا بكر رضي الله عنه ابتلى بوجع السن سبع سنين فاعلمه جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسأل عليه السلام عن حاله فقال :"لِمَ لم تذكر يا أبا بكر" فقال : كيف أشكو مما جاء من الحبيب فلا بد من التخلق بالأخلاق الحسنة لأن الكل من عند الله وإنما أرسل الله رسوله لإخراج الناس من الظلمات إلى النور فإذا تأدبوا بالآداب وصلوا إلى الحقيقة المحمدية، قال الشيخ العطار :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٩
دعوتش فرمود بهر خاص وعام
نعمت خودرا برو كرده تمام
مبعث أو سر نكونى بتان
امت او بهترين امتان
برميان دو كتف خورشيد وار
داشنه مهر نبوت آشكار


الصفحة التالية
Icon