﴿وَإِذَا جَآءَهُمْ﴾ أي بلغ ضعفة المسلمين ﴿أَمْرٌ مِّنَ الامْنِ أَوِ الْخَوْفِ﴾ أي : خبر من السرايا الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم من ظفر وغنيمة أو نكبة وهزيمة ﴿أَذَاعُوا بِهِ﴾ أي أفشوا ذلك الخبر وأظهروه لعدم خبرتهم بالأحوال واستنباطهم للأمور وكانت إذاعتهم مفسدة يقال إذاع السرور أذاع به والباء مزيدة ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ﴾ أي : ذلك الخبر ﴿إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الامْرِ مِنْهُمْ﴾ بترك التعرض له وجعله بمنزلة غير المسموع وتفويض أمره إلى رأي الرسول صلى الله عليه وسلّم ورأى كبار أصحابه كالخلفاء الأربعة أو رأي أمراء السرايا، فكبار الصحابة أولوا أمر على معنى أنهم البصراء بالأمور وإن لم يكن لهم أمر على الناس والأمراء أولوا الأمر على الناس مع كونهم بصراء بالأمور ﴿لَعَلِمَهُ﴾ أي : لعلم تدبير ما أخبروا به على أي وجه يتذكرونه ﴿الَّذِينَ﴾ أي : الرسول وأولوا الأمر الذين ﴿يَسْتَنابِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ أي يستخرجون تدبيره بتجاربهم وأنظارهم الصحيحة ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدها.
وأصل الاستنباط إخراج النبط وهو الماء يخرج من البئر أول ما تحفر يقال انبط الحفار إذا بلغ الماء وسمي القوم الذين ينزلون بالبطائح بين العراقيين نبطاً لاستنباطهم الماء من الأرض وقيل كانوا يقفون من رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأولي الأمر على أمن ووثوق بالظهور على بعض الأعداء أو على خوف واستشعار فيذيعونه فينشر فيبلغ الأعداء فتعود إذاعتهم مفسدة ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم وفوضوه إليهم وكانوا كأن لم يسمعوا لعلمه الذين يستنبطون تدبيره كيف يدبرونه وما يأتون ويذرون منه فالمراد بالمستنبطين منهم على كلا الوجهين الرسول وأولوا الأمر.
ومن في قوله يستنبطونه منهم إما تبعيضية وإما بيانية تجريدية.
وفي الآية نهي عن إفشاء السر قيل لبعض الأدباء كيف حفظك للسر قال : أنا قبره ومن هذا قيل صدور الأبرار قبور الأسرار وفي "المثنوي" :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٤٦
وربكوئي بايكي دو الوداع
كل سر جاوز الاثنين شاغنكته كان جست ناكه اززبان
هموتيري دان كه جست آن ازكمانس
وانكردد ازره آن تيراي سر
بند بايد كرد سيلي را زسر
وفي الآية إشارة إلى أرباب السلوك إذا فتح لهم باب من الأنس أو الهيبة أو الحضور أو الغيبة من آثار صفات الجمال والجلال أشاعوه إلى الأغيار ولو كان رجوعهم في حل هذه المشكلات إلى سنن الرسول صلى الله عليه وسلّم وإلى سير أولي الأمر منهم وهم المشايخ البالغون الواصلون ومن كان له شيخ كامل فهو ولي أمره لعلمه الذين يستنبطونه منهم وهم أرباب الكشوف بحقائق الأشياء فهم الغواصون في بحار أوصاف البشرية المستخرجون من أصداف
٢٤٦
العلوم درر حقائق المعرفة ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ بإرسال الرسول وإنزال الكتاب ﴿اتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَـانَ﴾ بالكفر والضلال ﴿إِلا قَلِيلا﴾ أي : إلا قليلاً منكم فإن من خصه الله بعقل راجح وقلب غير متكدر بالانهماك في اتباع الشهوات يهتدي إلى الحق والصواب ولا يتبع الشيطان ولا يكفر بالله وإن فرض عدم إنزال القرآن وبعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم كزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وغيرهما ممن كان على دين المسيح قبل بعثته.
وقال الشيخ نجم الدين قدس سره في تأويلاته لعل الاستثناء راجع إلى الصديق رضي الله عنه فإنه كان قبل مبعث النبي عليه السلام يوافقه في طلب الحق قالت عائشة رضي الله عنها : لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم طرفي النهار بكرة وعشياً.
ـ وروي ـ عن النبي عليه السلام "كنت وأبو بكر كفرسي رهان سبقته فتبعني ولو سبقني لتبعته" وفي الحقيقة كان النبي عليه السلام فضل الله ورحمته يدل عليه قوله تعالى :﴿هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الامِّيِّـانَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُوا﴾ (الجمعة : ٢) إلى قوله :﴿ذَالِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ﴾ (الحديد : ٢١) وقوله تعالى :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَـالَمِينَ﴾ (الأنبياء : ١٠٧) فلولا وجود النبي عليه السلام وبعثته لبقوا في تيه الضلالة تائهين كما قال تعالى :﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَـابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ﴾ (آل عمران : ١٠٣) يعني قبل بعضته وكانوا قد اتبعوا الشيطان إلى شفا حفرة من النار وكان عليه السلام فضلاً ورحمة عليهم فأنقذهم منها كما قال تعالى :﴿وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا﴾، قال الشيخ العطار قدس سره :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٤٦
خويشتن راخواجه عرصات كفت
إنما أنا رحمة مهدات كفت
وقال حضرة الهدايي قدس سره :
سرماية سعادت عالم محد است
مقصود ازين طينت آدم محمد است
در صورت آدم آمدا كره مقدما