در معنى بيشوا ومقدم محمد است
كره هدايى رسالت مكرم است
محبوب حق محمد وخاتم محمد است
قال بعض الحكماء : إن الله تعالى خلق محمداً صلى الله عليه وسلّم فجعل رأسه من البركة وعينيه من الحياء وأذنيه من العبرة ولسانه من الذكر وشفتيه من التسبيح ووجهه من الرضى وصدره من الإخلاص وقلبه من الرحمة وفؤاده من الشفقة وكفيه من السخاوة وشعره من نبات الجنة وريقه من عسل الجنة فلما أكمله بهذه الصفة أرسله إلى هذه الأمة فقال : هذا هديتي إليكم فاعرفوا قدر هديتي وعظموه كذا في "زهرة الرياض".
وقيل في وجه عدم ارتحال جسده الشريف النظيف من الدنيا مع أن عيسى عليه السلام قد عرج إلى السماء بجسده أنه إنما بقي جسمه الطاهر هنا لإصلاح عالم الأجساد وانتظامه فإنه مظهر الذات وطلسم الكائنات فجميع الانتظام بوجوده الشريف كذا في "الواقعات المحمودية" نقلاً عن حضرة الشيخ الشهير بافتاده افنده قدس الله سره آمين آمين يا رب العالمين ﴿فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الفاء جزائية والجملة جواب لشرط مقدر أي إن تثبط المنافقون وقصر الآخرون وتركوك وحدك، فقاتل أنت يا محمد وحدك في الطريق الموصل إلى رضى الله وهو الجهاد ولا تبال مما فعلوا ﴿لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ﴾ مفعول
٢٤٧
ثان للفعل المخاطب المجهول أي إلا فعل نفسك لا يضرك لمخالفتهم وتقاعدهم فتقدم إلى الجهاد وإن لم يساعدك أحد فإن الله ناصرك لا الجنود.
والتكلف اسم لما يفعل بمشقة أو بتصنع فالمحمود منه ما فعل بمشقة حتى ألف ففعل بمحبة كالعبادات والمذموم منه ما يتعاطى تصنعاً ورياء ﴿وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ على القتال أي : رغبتهم فيه بذكر الثواب والعقاب أو بوعد النصرة والغنيمة وما عليك في شأنهم إلا التحريض فحسب لا التعنيف بهم.
ـ روي ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم واعد أبا سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصغرى في ذي القعدة وهي سوق من المدينة على ثمانية أميال ويقال لها حمراء الأسد أيضاً فلما بلغ الميعاد دعا الناس إلى الخروج فكرهه بعضهم فأنزل الله هذه الآية فخرج صلى الله عليه وسلّم في سبعين راكباً فكفاهم الله القتال كما قال :﴿عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ﴾ أي : يمنع ﴿بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ البأس في الأصل المكروه ثم وقع موضع الحرب والقتال قال تعالى :﴿وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلا﴾ (الأحزاب : ١٨) وعسى من الله واجب لأنه في اللغة الإطماع والكريم إذا أطمع أنجز وقد فعل حيث ألقى في قلوب الكفرة الرعب حتى رجعوا من مر الظهران.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٤٦
ـ ويروى ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وافى بجيشه بدراً وقام بها ثماني ليال وكان معهم تجارات فباعوها وأصابوا خيراً كثيراً وقد مر في سورة آل عمران ﴿وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا﴾ أي من قريش ﴿وَأَشَدُّ تَنكِيلا﴾ أي تعذيباً وعقوبة ينكل من يشاهدها عن مباشرة ما يؤدي إليها ويجوز أن يكونا جميعاً في الدنيا وأن يكون أحدهما في الدنيا والآخر في العقبى.
ثم له ثلاثة أوجه :
أحدها أن معناه أن عذاب الله تعالى أشد من جميع ما ينالكم بقتالهم لأن مكروههم ينقطع ثم تصيرون إلى الجنة وما يصل إلى الكفار والمنافقين من عذاب الله يدوم ولا ينقطع.
والثاني لما كان عذاب الله أشد فهو أولى أن يخاف ولا يجري في أمره بالقتال منكم خلاف وهذا وعيد.
والثالث لما كان عذاب الله أشد فهو يدفعهم عنكم ويكفيكم أمرهم وهذا وعد وإنما جبن المتقاعدون لشدة بأس الكفار وصولتهم ولكن الله قاهر فوق عباده وقوة اليقين رأس مال الدين والموت تحفة المؤمن الكامل خصوصاً إذا كان في طريق الجهاد والدنيا سريعة الزوال ولا تبقى على كل حال وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثيراً ما ينشد هذه الأبيات :
لا شيء مما نرى تبقى بشاشته
يبقى الإله ويردى المال والولد
لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه
والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح له
والإنس والجن فيما بينها ترد
اين الملوك التي كانت لعزتها
من كل أوب إليها وافد يفد
حوض هنالك مورود بلا كذب
لا بد من ورده يوماً كما وردوا
"وفي التأويلات النجمية" ﴿فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ﴾ المعنى فجاهد في طلب الحق نفسك فإن في طلب الحق لا تكلف نفساً أخرى إلا نفسك وفيه معنى آخر لا تكلف نفس أخرى بالجهاد لأجل نفسك لأن حجابك من نفسك لا من نفس أخرى فدع نفسك وتعال فإنك صاحب يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً وذلك لأنه صلى الله عليه وسلّم اختص بهذا المقام
٢٤٨