من جميع الأنبياء والمرسلين وأن يكون فاني النفس والذي يدل عليه أن الأنبياء يوم القيامة يقولون لبقاء نفوسهم : نفسي نفسي ويقول النبي عليه السلام لفناء نفسه : أمتي أمتي فافهم جداً ثم قال :﴿وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ على القتال يعني في الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر ﴿عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ظاهراً وباطناً فالظاهر الكفار والباطن النفس ﴿وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلا﴾ في استيلاء سطوات صفات قهره عند تجلي صفة جلاله للنفس من بأس الكافر عليها انتهى، وفي "المثنوي" :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٤٦
اتدرين ره مى تراش ومي خراش
تادم آخر دمى فارغ مباشاي شهام كشتيم ما خصمي برون
ماند خصمي زوان بتردر اندرونكشتن اين كار عقل وهوش نيست
شير باطن سخره خركوش نيست
سهل شيري دانكه صفها بشكند
شير آنست آنكه خودرا بشكند
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٤٦
﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَـاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّه نَصِيبٌ مِّنْهَا﴾ وهو ثواب الشفاعة والتسبب إلى الخير الواقع بها والشفاعة الحسنة هي التي روعي بها حق مسلم ودفع بها عنه شر أو جلب إليه خير وابتغى بها وجه الله تعالى ولم تؤخذ عليها رشوة وكانت في أمر جائز لا في حد من حدود الله ولا في حق من الحقوق ﴿وَمَن يَشْفَعْ شَفَـاعَةً سَيِّئَةً﴾ وهي ما كانت بخلاف الحسنة ﴿يَكُن لَّه نَصِيبٌ مِّنْهَا﴾ أي : نصيب من وزرها مساولها في المقدار من غير أن ينقص منه شيء.
وعن مسروق أنه شفع شفاعة فأهدى إليه المشفوع له جارية فغضب وردها وقال : لو علمت ما في قلبك لما تكلمت في حاجتك لا أتكلم فيما بقي منها.
ومن بلاغات الزمخشري شيآن شينان في الإسلام الشفاعة في الحدود والرشوة في الأحكام والحدود عقوبة مقدرة يجب على الإمام إقامتها حقاًتعالى لئلا يتضرر العباد فالتعزير ليس بحد إذ ليس له قدر معين فإن أكثره تسعة وثلاثون سوطاً وأقله ثلاثة وكذا القصاص لا يسمى حداً لأنه حق العبد وهو ولي القصاص ولهذا سقط بالعفو والاعتياض فحد الزنى لغير المحصن مائة جلدة وللعبد نصفها وحد شرب الخمر ثمانون سوطاً للحر وأربعون للعبد مفرقاً على بدنه كما في حد الزنى وحد القذف كحد الشرب فمن قذف محصناً أو محصنة بصريح الزنى حد بطلب المقذوف المحصن لأن فيه حق العبد من حيث دفع العار عنه وكذا طلب المسروق منه شرط القطع في السرقة فهذه حدود لا يجري فيها الشفاعة إذ الحق علم القاضي بالواقعة ولهذا قال في ترجمة "وصايا الفتوحات المكية" (ونزديك حاكم در حدود الله شفاعت مكن از ابن عباس رضي الله عنهما در خواست كردند در باب دزدى شفاعت كند ابن عباس رضي الله عنهما كفت هركه شفاعت كند وهركه قبول كند هردودر لعنت اندرا كربيش آزانكه بحاكم معلوم نشود ميكفتيد مي شد) انتهى.
ولما كانت الشفاعة في القصاص غير الشفاعة في الحدود قال صلى الله عليه وسلّم "ما من صدقة أفضل من صدقة اللسان" قيل : وكيف ذلك؟ قال :"الشفاعة يحقن بها الدم ويجر بها المنفعة إلى آخر ويدفع بها المكروه عن آخر" ذكره الإمام الغزالي رحمه الله.
وافصح الحديث عن أن الشفاعة هي التوسط بالقول في وصول شخص إلى منفعة من المنافع الدنيوية أو الأخروية وخلاصه من مضرة ما كذلك وإذا كانت
٢٤٩
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٤٩
في أمر غير مشروع لا تكون صدقة بل سيئة.
وذكر في ترجمة "الوصايا" أيضاً (ون براي كسى شفاعت كنى وكار او ساخته شود زنهار هديه أو قبول مكن كه رسول الله صلى الله عليه وسلّم انرا جمله ربا نهاده است شيخ أكبر قدس سره الأطهر فرمودكه در بعض بلا عرب يكى ازاعيان مرا بخانه خود دعوت كرد وترتيبي كرده بود وكرامتي مهيا داشته ون طعام احضار كردند اورا بسلطان بلند حاجتي بود ازمن طلب شفاعت كرد وسخن من نزد سلطان ردغايت قبول بود شيخ فرمود كه اورا كفتم نعم وبر خاستم وطعام نخوردم وهدايا قبول نكردم وحاجت او يش سلطان كواردم واملاك وى بوى باز كشت ومرا هنوز حديث نبوي وقوف نبود ولكن مروءت من نين تقاضا كرد واستنكاف كردم كه كسى را بمن حاجتي باشد وازوى بمن نفعي عائد شود ودر حقيقت آن عنايت وعصمت حق بود) انتهى.
وبالجملة ينبغي للمؤمن أن يشفع للجاني إلى المجنّى عليه بل ومن حقوق الإسلام أن يشفع لكل من له حاجة من المسلمين إلى من له عنده منزلة ويسعى في قضاء حاجته بما يقدر عليه، قال السعدي قدس سره :
كر ازحق نه توفيق خيرى رسد
كى ازبنده خيري بغيري رسد
اميداست ازآنانكه طاعت كنند
كه بى طاعتانرا شفاعت كنند


الصفحة التالية
Icon