لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية وفي الحديث "ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام" قال ابن السيد علي في "شرح الشرعة" : ولعل المراد أنه يرد السلام بلسان الحال لا بلسان المقال يؤيده ما ورد في بعض الأخبار من أنهم يتأسفون على انقطاع الأعمال عنهم حتى يتحسرون على رد السلام وثوابه انتهى.
قال الإمام السيوطي رحمه الله : الأحاديث الآثار تدل على أن الزائر متى جاء علم به المزور وسمع كلامه وآنس به ورد عليه وهذا عام في حق الشهداء وغيرهم وأنه لا توقيت في ذلك وهو الأصح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرع لأمته أن يسلموا على أهل القبور سلام من يخاطبون من يسمع ويعقل.
قال أرباب الحقيقة : للروح اتصال بالبدن بحيث يصلي في قبره ويرد على المسلم عليه وهو في الرفيق الأعلى ومقره في عليين ولا تنافي بين الأمرين فإن شأن الأرواح غير شأن الأبدان وإنما يأتي الغلط هنا من قياس الغائب على الشاهد فيعتقد أن الروح مما يعهد من الأجسام التي إذا شغلت مكاناً لم يمكن أن تكون في غيره.
وقد مثل بعضهم بالشمس في السماء وشعاعها في الأرض كالروح المحمدي يرد على من يصلي عليه عند قبره دائماً مع القطع بأن روحه في أعلى عليين وهو لا ينفك عن قبره كما قال عليه السلام :"ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام".
فإن قلت : هل يلزم تعدد الحياة من تلك وكيف يكون ذلك؟ قلت : يؤخذ من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلّم حي على الدوام في البرزخ الدنيوي لأنه محال عادة أن يخلو الوجود كله من واحد يسلم على النبي عليه السلام في ليل أو نهار فقوله صلى الله عليه وسلّم "رد الله على روحي" أي : أبقى الحق فيَّ شعور حياتي الحسي في البرزخ وإدراك حواسي من السمع والنطق فلا ينفك الحس والشعور الكلي عن الروح المحمدي الكلي ليس له غيبة من الحواس والاكوان لأنه روح العالم الكلي وسره الساري، قال العطار قدس سره في نعت النبي المختار :
خواجه كزهر ه كويم بيش بود
درهمه يزى همه دريش بود
وصف اودر كفت ون آيدمرا
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٤٩
ون عرق ازشرم خون آيد مرا
أو فصيح عالم ومن لال او
كي توانم داد شرح حال او
وصف اوكى لائق اين ناكسست
واصف او خالق عالم بسست
انيبا از وصف توحيران شده
سرشناسان نيز سر كردان شده
والإشارة في الآية ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ﴾ من الخير والشر ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَآ﴾ أما الخير فبخير أحسن منه وأما الشر فبحلم وعفو أو مكافأة بالخير ﴿أَوْ رُدُّوهَآ﴾ يعني كافئوا المحسن بمثل إحسانه والمسيء بمثل إساءته يدل عليه قوله تعالى :﴿وَجَزَاؤُا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ (الشورى : ٤٠) وقال :﴿وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (البقرة : ٢٣٧) وقد ورد عن النبي عليه السلام عن جبريل عن الله تعالى في تفسير قوله :﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَـاهِلِينَ﴾ (البقرة : ٢٣٧) وقال النبي عليه السلام :"تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي من حرمك" ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ﴾ من العفو والإحسان ﴿حَسِيبًا﴾ محاسباً فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.
كذا في "التأويلات النجمية".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٤٩
﴿اللَّهُ﴾ مبتدأ وخبره قوله :﴿لا إله إِلا هُوَ﴾ أي : لا إله في الأرض ولا في السماء غيره
٢٥٤