﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ جواب قسم محذوف أي والله ليحشرنكم من قبولكم ﴿إِلَى﴾ حساب ﴿يَوْمَ الْقِيَـامَةِ﴾ والقيامة بمعنى القيام والتاء للمبالغة لشدة ما يقع فيه من الهول ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ حال من اليوم أي حال كون ذلك اليوم لا شك فيه أنه كائن لا محالة أو صفة مصدر محذوف أي : جمعاً لا ريب فيه فضمير فيه يرجع إلى الجمع ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ إنكار لأن يكون أحد أكثر صدقاً منه فإنه لا يتطرق الكذب إلى خبره بوجه لأنه نقص وهو على الله محال دون غيره وفي الحديث "كذبني ابن آدم" أي : نسبني إلى الكذب "ولم يكن له ذلك" يعني لم يكن التكذيب لائقاً به بل كان خطأ "وشتمني" الشتم وصف الغير بما فيه نقص وازراء "ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني" يعني : لن يحييني الله تعالى بعد موتي "وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته" بل إعادته أسهل لوجود أصل البنية وهذا مذكور على طريق التمثيل لأن الإعادة بالنسبة إلى قوانا أيسر من الإنشاء وأما بالنسبة إلى قدرة الله تعالى فلا سهولة له في شيء ولا صعوبة "وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولداً" وإنما صار هذا شتماً لأن التولد هو انفصال الجزء من الكل بحيث ينمو وهذا إنما يكون في المركب وكل مركب محتاج "وأنا الأحد" أي المنفرد بصفات الكمال من البقاء والتنزه وغيرهما "الصمد" بمعنى المصمود يعني : المقصود إليه في كل الحوائج "الذي لم يلد" هذا نفي للتشبيه والمجانسة "ولم يولد" هذا وصف بالقدم والأولية "ولم يكن له كفواً أحد" هذا تقرير لما قبله كذا في "شرح المشارق" لابن الملك.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٤
واعلم أن القيامة ثلاث : الصغرى وهي موت كل أحد قال النبي عليه السلام :"من مات فقد قامت قيامته"، والوسطى وهي موت جميع الخلائق بالنفخة الأولى، والكبرى وهي حشر الأجساد والسوق إلى المحشر للجزاء بالنفخة الثانية، وفي "المثنوي" :
سازد اسرافيل روزي ناله را
جان دهد و سيده صد ساله را
هين كه اسرافيل وقتند اوليا
مرده را زيشان حياتست ونما
وإنما تحصل الحياة الباقية بعد الفناء عن النفس وأوصافها وطريقه ذكر الله تعالى بالإخلاص فإذا تجلى معنى لفظ الجلالة الذي هو الاسم الأعظم يضمحل العالم والوجود ويحصل الاستغراق في بحر التوحيد فإذا استغرق فيه يغيب عنه ما سوى الله تعالى كما أن الإنسان إذا استغرق في الماء لا يرى الغير أصلاً.
قال الشيخ أبو يزيد البسطامي : ومن قال الله وقلبه غافل عن الله فخصمه الله.
ـ وحكي ـ أن بعض الصلحاء دخل ليلة بقبوليجة في بلدة بروسة فرأى أنه قد وضع سرير على الحوض وعليه بنت سلطان الجن ومعها جماعة كثيرة من هذه الطائفة فسألهم عن أصل ماء قبوليجة فأرسلت ببعض جماعتها إلى أصله فرأى أنه ماء بارد فقال : كيف يكون هذا أصله وهو حار فقالوا : جماعتنا يذكرون في رأس هذا الماء في كل أسبوع الاسم الله والاسم هو فبحرارته يسخن الماء فتأثير الذكر غير منكر خصوصاً من لسان أرباب التزكية والتصفية، وفي "المثنوي" :
ذكر حق كن بانك غولا نرابسوز
شم نركس را ازين كركس بدوز
والإشارة في الآية ﴿اللَّهُ لا إله إِلا هُوَ﴾ يعني : كان الله في الأزل لا إله أي لم يكن معه أحد يوجد الخلق من العدم إلا هو ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ في العدم مرة أخرى ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ﴾ فيفرقكم فيها
٢٥٥
فريق في الجنة وفريق في السعير وفريق في مقعد صدق عند مليك مقتدر ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ أي : لا شك في الرجوع إلى هذه المنازل والمقامات ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ ليحدثكم بمصالح دينكم ودنياكم ومفاسد أخراكم وأولاكم ويهديكم إلى الهدى وينجيكم من الردى.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٤