كذا في "التأويلات النجمية" ﴿مَالَكُمْ﴾ أيها المؤمنون والمراد بعضهم.
قوله ما مبتدأ ولكم خبره والاستفهام للإنكار والنفي ﴿فِى الْمُنَـافِقِينَ﴾ متعلق بما تعلق به الخبر أي أي شيء كائن لكم فيهم أي في أمرهم وشأنهم ﴿فِئَتَيْنِ﴾ أي فرقتين وهو حال من الضمير المجرور في لكم والمراد إنكار أن يكون للمخاطبين شيء مصحح لاختلافهم في أمر المنافقين وبيان وجوب بت القول بكفرهم وإجرائهم مجرى المجاهرين بالكفر في جميع الأحكام وذلك أن ناساً من المنافقين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الخروج إلى البدر لاجتواء المدينة فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة حتى لحقوا بالمشركين بمكة فاختلف المسلمون فيهم فقال بعضهم : هم كفار وقال بعضهم هم مسلمون فأنزل الله تعالى الآية ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم﴾ حال من المنافقين أي والحال أنه تعالى ردهم إلى الكفر وأحكامه من الذل والصغار والسبي والقتل، والإركاس الرد والرجع يقال : ركست الشيء وأركسته لغتان إذا رددته وقلبت آخره على أوله ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾ أي : بسبب ما كسبوا من الارتداد واللحوق بالمشركين والاحتيال على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿أَتُرِيدُونَ﴾ أيها المخلصون القائلون بإيمانهم ﴿أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾ أي تجعلوه من المهتدين ففيه توبيخ لهم على زعمهم ذلك وإشعار بأنه يؤدي إلى المحال الذي هو هداية من أضل الله تعالى وذلك لأن الحكم بإيمانهم وادعاء اهتدائهم وهم بمعزل من ذلك سعى في هدايتهم وإرادة لها ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ﴾ أي ومن يخلق فيه الضلال كائناً من كان ﴿فَلَن تَجِدَ لَه سَبِيلا﴾ من السبل فضلاً عن أن تهديه إليه وتوجيه الخطاب إلى كل واحد من المخاطبين للإشعار بشمول عدم الوجدان للكل على طريق التفصيل والجملة حال من فاعل تريدون أو تهدوا والرابط هو الواو ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ بيان لغلوهم وتماديهم في الكفر وتصديهم لإضلال غيرهم إثر بيان كفرهم وضلالهم في أنفسهم وكلمة لو مصدرية فلا جواب لها أي تمنوا أن تكفروا.
﴿كَمَا كَفَرُوا﴾ نصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي كفرا مثل كفرهم فما مصدرية.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٤
﴿فَتَكُونُونَ سَوَآءً﴾ عطف على تكفرون والتقدير ودوا كفركم وكونكم مستوين معهم في الضلال.
وفيه إشارة إلى أن من ود الكفر لغيره كان ذلك من إمارات الكفر في باطنه وإن كان يظهر الإسلام لأنه يريد تسوية الاعتقاد فيما بينهما وهذا من خاصية الإنسان يحب أن يكون كل الناس على مذهبه واعتقاده ودينه وقال صلى الله عليه وسلّم "الرضى بالكفر كفر" ﴿فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ﴾ أي : إذا كان حالهم ما ذكر من ودادة كفركم فلا توالوهم ﴿حَتَّى يُهَاجِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي حتى يؤمنوا ويحققوا إيمانهم بهجرة كائنةتعالى ورسوله عليه السلام لا لغرض من أغراض الدنيا وسبيل الله ما أمر بسلوكه.
﴿فَإِن تَوَلَّوْا﴾ أي : عن الإيمان المظاهر بالهجرة الصحيحة المستقيمة ﴿فَخُذُوهُمْ﴾ إذا قدرتم عليهم ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ من الحل والحرم فإن
٢٥٦
حكمهم حكم سائر المشركين أسراً وقتلاً.
﴿وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا﴾ أي : جانبوهم مجانبة كلية ولا تقبلوا منهم ولاية ولا نصرة أبداً.
والإشارة في الآية إلى أرباب الطلب السائرين إلى الله تعالى فإنهم نهوا عن اتخاذ أهل الدنيا أحباء وعن مخالطتهم حتى يهاجروا عما هم فيه من الحرص والشهوة وحب الدنيا ويوافقوهم في طلب الحق وأمروا بأن يعظوهم بالوعظ البليغ ويقتلوهم، أي : أنفسهم وصفاتها الغالبة كلما رأوهم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٤