عنهما فأجابوا على ما هو فطلب منهم أن يخرجوه من البيت، فلما خرج رأى ميتاً وجاء إليه وتكلم له فلم يتكلم فسأل عنه فقالوا هو ميت لا يتكلم وقال : وأنا أكون كذلك قالوا : كل نفس ذائقة الموت فتركهم وذهب إلى الصحراء فذهبوا معه فإذا خمسة فوارس جاءوا إليه ومعهم فرس ليس عليه أحد فأركبوه وأخذوه وغابوا وليس كل قلب يصلح لمعرفة الرب كما أن كل بدن لا يصلح لخدمته ولهذا قال تعالى :﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا﴾ أي : بمن يصلح للجذبة والخدمة.
قال الصائب :
درسر هرخام طينت نشئه منصور نيست
هرسفالي را صداي كاسه فغفور نيست
وهذا لا يكون بالدعوى فإن المحك يميز الجيد والزيوف وعالم الحقيقة لا يسعه القيل والقال ألا يرى أن من كان سلطاناً أعظم لا يرفع صوته بالتكلم لأنه في عالم المحو وكان أمر سليمان عليه السلام لآصف بن برخيا باتيان عرش بلقيس مع أنه في مرتبة النبوة لذلك أي لما أنه كان في عالم الاستغراق فلم يرد التنزل وقوله عليه السلام :"لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل" إشارة إلى تلك المرتبة اللهم اجعلنا من الواصلين إلى جناب قدسك والمتنعمين في حاضر قولك وأنسك.
﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا﴾ حال كون ذلك القاتل ﴿مُّتَعَمِّدًا﴾ في قتله أي : قاصداً غير مخطىء.
ـ روي ـ أن مقيس بن صبابة الكناني كان قد أسلم هو وأخوه هشام فوجد أخاه قتيلاً في بني النجار فأتى رسول الله عليه السلام وذكر له القصة فأرسل عليه السلام معه الزبير بن عياض الفهري وكان من أصحاب بدر إلى بني النجار يأمرهم بتسليم القاتل إلى مقيس ليقتص منه إن علموه وبأداء الدية إن لم يعلموه فقالوا : سمعاً وطاعة تعالى ولرسوله عليه السلام ما نعلم له قاتلاً ولكنا نؤدي ديته فأتوه بمائة من الإبل فانصرفا راجعين إلى المدينة حتى إذا كانا ببعض الطريق أتى الشيطان مقيساً فوسوس إليه فقال : أتقبل دية أخيك فتكون مسبة عليك أي عاراً أقتل هذا الفهري الذي معك فتكون نفس مكان نفس وتبقى الدية فضلة فرماه بصخرة فشدخ رأسه فقتله ثم ركب بعيراً من الإبل وساق بقيتها إلى مكة كافراً وهو يقول :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٩
قتلت به فهراً وحملت عقله
سراة بني النجار أصحاب قارع
وادركت ثاري واضطجعت موسداً
وكنت إلى الأوثان أول راجع
فنزلت الآية وهو الذي استثناه رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم الفتح ممن آمنه فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة، ونعم ما قيل :
هركه كند بخود كند
كر همه نيك وبد كند
﴿فَجَزَآؤُهُ﴾ الذي يستحقه بجنايته ﴿جَهَنَّمَ﴾ وقوله تعالى :﴿خَـالِدًا فِيهَا﴾ حال مقدرة من فاعل فعل مقدر يقتضيه مقام الكلام كأنه قيل فجزاؤه أن يدخل جهنم خالداً فيها ﴿وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ عطف على مقدر تدل عليه الشرطية دلالة واضحة كأنه قيل بطريق الاستئناف تقريراً وتأكيداً لمضمونها حكم الله بأن جزاءه ذلك وغضب عليه أي : انتقم منه ﴿وَلَعَنَهُ﴾ أي : أبعده عن الرحمة بجعل جزائه ما ذكر ﴿وَأَعَدَّ لَهُ﴾ في جهنم ﴿عَذَابًا عَظِيمًا﴾ لا يقادر قدره.
واعلم أن العبرة بعموم اللفظ دون خصوص السبب والكلام في كفر من استحل دم المؤمن وخلوده في النار حقيقة فأما المؤمن إذا قتل مؤمناً متعمداً غير مستحل لقتله
٢٦١