والإشارة في الآية أن القلب مؤمن في أصل الفطرة والنفس كافرة في أصل الخلقة وبينهما عداوة جبلية وقتال أصلي وتضاد كلي فإن في حياة القلب موت النفس وفي حياة النفس موت القلب فلما كانت نفوس الكفار حية كانت قلوبهم ميتة فسماهم الله الموتى ولما كانت نفس الصديق ميتة وقلبه حياً قال النبي عليه السلام :"من أراد أن ينظر إلى ميت يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى الصديق" فالإشارة في قوله :﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا﴾ إلى القلب والنفس يعني النفس الكافرة إذا قتلت قلباً مؤمناً متعمدة للعداوة الأصلية باستيلاء صفاتها البهيمية والسبعية والشيطانية على القلب الروحاني وغلبة هواها عليه حتى يموت القلب بسمها.
القاتل ﴿فَجَزَآؤُهُ﴾ أي جزاء النفس ﴿جَهَنَّمَ﴾ وهي سفل عالم الطبيعة ﴿خَـالِدًا فِيهَا﴾ لأن خروج النفس عن سفل الطبيعة إنما كان بحبل الشريعة والتمسك بحبل الشريعة إنما كان من خصائص القلب المؤمن كقوله تعالى :﴿ثُمَّ رَدَدْنَـاهُ أَسْفَلَ سَـافِلِينَ * إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ (التين : ٥ ـ ٦) فالإيمان والعمل الصالح من شان القلب وصنيعه فإذا مات القلب وانقطع عمله تخلد النفس في جهنم سفل عالم الطبيعة أبداً.
﴿وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ﴾ بأن يبعدها ويطردها عن الحضرة والقربة ويحرمها من إيصال الخير والرحمة إليها بخطاب ارجعي إلى ربك ﴿وَأَعَدَّ لَه عَذَابًا عَظِيمًا﴾ هجراناً عن حضرة العلي العظيم وحرماناً من جنات النعيم كذا في "التأويلات النجمية".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٩
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} نزلت الآية في شأن مرداس بن نهيك من أهل فدك وكان أسلم ولم يسلم من قومه غيره وكان عليه السلام بعث سرية إلى قومه كان عليها غالب بن فضالة الليثي فلما وصلت السرية إليهم هربوا وبقي مرداس ثقة بإسلامه فلما وصلوا فدك كبروا وكبر مرداس معهم وكان في سفح جبل ومعه غنمه فنزل إليهم وقال : لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم فقتله أسامة بن زيد وساق غنمه فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بذلك فوجد وجداً شديداً وقال :"قتلتموه إرادة ما معه وهو يقول لا إله إلا الله" فقال أسامة : إنه قال بلسانه دون قلبه وفي رواية إنما قالها خوفاً من السلاح فقال عليه السلام :"هلا شققت عن قلبه فنظرت أصادق هو أم كاذب" ثم قرأ الآية على أسامة فقال : يا رسول الله استغفر لي فقال :"فكيف بلا إله إلا الله" قال أسامة : فما زال صلى الله عليه وسلّم يعيدها حتى وددت إن لم أكن أسلمت إلا يومئذٍ ثم استغفر لي وأمر برد الأغنام وتحرير رقبة مؤمنة والمعنى أيها المؤمنون ﴿إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي سافرتم وذهبتم للغزو من قول العرب ضربت في الأرض إذا سرت لتجارة أو غزو أو نحوهما ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ التفعل بمعنى الاستفعال الدال على الطلب أي اطلبوا بيان الأمر في كل ما تأتون وما تذرون ولا تعجلوا فيه بغير تدبر وروية
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٣
﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَـامَ﴾ أي لمن حياكم بتحية الإسلام ﴿لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ وإنما أظهرت ما أظهرت متعوذاً بل اقبلوا منه ما أظهره وعاملوه بموجبه ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ حال من فاعل لا تقولوا منبىء عما يحملهم على العجلة وترك التأني لكن لا على أن يكون النهي راجعاً إلى القيد فقط كما في قولك لا تطلب العلم تبتغي به الجاه بل إليهما جميعاً أي لا تقولوا له ذلك حال كونكم طالبين لماله الذي هو حطام سريع النفاد وعرض الدنيا ما يتمتع به فيها
٢٦٣