من المال نقداً كان أو غيره قليلاً كان أو كثيراً يقال الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر وتسميته عرضاً تنبيه على أنه سريع الفناء قريب الانقضاء ﴿فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ تغنيكم عن قتل أمثاله لماله وهو تنبيه على أن ثواب الله تعالى موصوف بالدوام والبقاء ﴿كَذَالِكَ﴾ أي مثل ذلك الذي ألقى إليكم السلام ﴿كُنتُمْ﴾ أنتم أيضاً ﴿مِّن قَبْلِ﴾ أي : في مبادي إسلامكم لا يظهر منكم للناس غير ما ظهر منه لكم من تحية الإسلام ونحوها ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ بأن قبل منكم تلك المرتبة وعصم بها دماءكم وأموالكم ولم يأمر بالتفحص عن سرائركم.
الفاء للعطف على كنتم ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ الفاء فصيحة أي إذا كان الأمر كذلك فاطلبوا بيان هذا الأمر البين وقيسوا حاله بحالكم وافعلوا به ما فعل بكم في أوائل أموركم من قبول ظاهر الحال من غير وثوق على تواطىء الظاهر والباطن ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الأعمال الظاهرة والخفية وبكيفياتها ﴿خَبِيرًا﴾ فيجازيكم بحسبها إن خيراً فخير وإن شراً فشر فلا تتهافتوا في القتل واحتاطوا فيه.
قال الإمام الغزالي رحمه الله : الخبير هو الذي لا تعزب عنه الأخبار الباطنة ولا يجري في الملك والملكوت شيء ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن إلا ويكون عنده خبر وهو بمعنى العليم لكن العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة سمي خبرة ويسمى صاحبه خبيراً وحظ العبد من ذلك أن يكون خبيراً بما يجري في عالمه وعالمه قلبه وبدنه والخفايا التي يتصف القلب بها من الغش والخيانة والطواف حول العاجلة وإضمار الشر وإظهار الخير والبخل بإظهار الإخلاص والإفلاس عنه ولا يعرفها إلا ذو خبرة بالغة قد خبر نفسه ومارسها وعرف مكرهاً وتلبيسها وخدعها فحاربها وتشمر لمعاداتها وأخذ الحذر منها فذلك من العباد جدير بأن يسمى خبيراً انتهى كلام الإمام.
قال السعدي :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٣
نمى تازد ابن نفس سركش نان
كه عقلش تواند كرفتن عنان
كه بانفس وشيطان بر آيد بزور
مصاف لنكان نبايد زمور
ودلت الآية على أن المجتهد قد يخطىء كما أخطأ أسامة وأن خطأه قد كان مغتفراً حيث لم يقتص منه وعلى أن الذكر اللساني معتبر كما أن إيمان المقلد صحيح لكن ينبغي للمؤمن أن يترقى من الذكر اللساني إلى الذكر القلبي ثم إلى الذكر الروحي ويحصل له التعين والمعرفة ويخلص من ظلمة الجهل ويتنور بنور المعرفة لأن الإنسان يموت كما يعيش.
عن ابن عباس أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي عليه السلام فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام وهو يقول مالي أراك مغموماً حزيناً قال عليه السلام :"يا جبريل طال تفكري في أمتي يوم القيامة" قال : أفي أمر أهل الكفر أم أهل الإسلام فقال :"يا جبريل في أمر أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله" فأخذ بيده حتى أقامه إلى مقبرة بني سلمة ثم ضرب بجناحه الأيمن على قبر ميت قال : قم بإذن الله فقام الرجل مبيض الوجه وهو يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله فقال جبريل : عد إلى مكانك فعاد كما كان ثم ضرب بجناحه الأيسر فقال : قم بإذن الله فخرج رجل مسود الوجه أرزق العينين وهو يقول واحسرتاه واندامتاه فقال له جبريل عد إلى مكانك فعاد كما كان ثم قال : يا محمد على هذا يبعثون يوم القيامة وعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "تموتون كما تعيشون وتبعثون
٢٦٤
كما تموتون" :
هركسى آن درود عاقبت كار كه كشت†
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٣


الصفحة التالية
Icon