ـ روي ـ عنه عليه السلام أنه لما رجع من غزوة تبوك ودنا من المدينة قال :"إن في المدينة لأقواماً ما سرتم من مسير ولا قطعتم من وادٍ إلا كانوا معكم فيه" قالوا : يا رسول الله وهم بالمدينة قال :"نعم وهم بالمدينة حبسهم حابس العذر" وهم الذين صحت نياتهم وتعلقت قلوبهم بالجهاد وإنما منعهم عن الجهاد الضرر :
٢٦٧
هر كسى از همت والاى خويش
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٣
سود برد درخور كالاي خويش
قال عليه السلام :"إذا مرض العبد قال الله تعالى : اكتبوا لعبدي ما كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ" وقال المفسرون في قوله تعالى :﴿ثُمَّ رَدَدْنَـاهُ أَسْفَلَ سَـافِلِينَ * إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ (التين : ٥ ـ ٦) إن من صار هرماً كتب الله له أجر عمله قبل هرمه غير منقوص.
وقالوا في تفسير قوله عليه السلام :"نية المؤمن خير من عمله" إن المؤمن ينوي الإيمان والعمل الصالح لو عاش أبداً فيحصل له ثواب تلك النية أبداً قالوا هذه المساواة مشروطة بشريطة أخرى سوى الضرر قد ذكرت في قوله تعالى في أواخر سورة التوبة ﴿لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ (التوبة : ٩١) والنصيحة لهما طاعة لهما والطاعة لهما في السر والعلن وتوليهما في السراء والضراء والحب فيهما والبغض فيهما كما يفعل الموالي الناصح بصاحبه كذا في تفسير "الإرشاد".
واعلم أن الجهاد من أفاضل المكاسب وأماثل الحِرَف فلا ينبغي للعاقل أن يترك الجهاد أو التحدث به فإن من مات ولم يغزو ولم يحدث به نفسه فقد مات ميتة جاهلية ومعنى التحدث طلبه الغزو وإخطاره بالبال.
قال بعض الكبار : السبق بالهمم لا بالقدم وفي الحديث "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ" ومعناه أن من أنعم الله عليه بهاتين النعمتين وهما صحة الجسد بالعافية التي هي كالتاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا السقيم والفراغ من شواغل الدنيا وعلقها فمن حصل له هاتان النعمتان واشتغل عن القيام بواجب حق الله تعالى فهذا هو الذي غبن بضياع حظه ونصيبه من طاعة الله وبذل النفس في الخدمة وتحصيل ما ينفعه لآخرته من أنواع الطاعات والقربات اللهم اجعلنا من المنتفعين بحياتهم والمتوجهين إليك في مرضهم وضحتهم ولا تقطعنا عنك ولو لحظة عين ولا تشغلنا عن الوصل بالبين إنك أنت الغفور الرحيم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٣
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَـائِكَةُ﴾ يحتمل أن يكون ماضياً فيكون أخباراً عن أحوال قوم معينين انقرضوا ومضوا وأن يكون مضارعاً قد حذف منه إحدى التاءين وأصله تتوفاهم وعلى هذا تكون الآية عامة في حق كل من كان بهذه الصفة والظاهر أن لفظ المضارع ههنا على حكاية الحال الماضية والقصد إلى استحضار صورتها بشهادة كون خبر أن فعلاً ماضياً وهو قالوا والمراد بتوفي الملائكة إياهم قبض أرواحهم عند الموت والملك الذي فوض إليه هذا العمل هو ملك الموت وله أعوان من الملائكة وإسناد التوفي إلى الله تعالى في قوله :﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الانفُسَ﴾ (الزمر : ٤٢) وفي قوله :﴿وَهُوَ الَّذِى أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ (الحج : ٦٦) مبني على أن خالق الموت هو الله تعالى :﴿ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ﴾ في حال ظلمهم أنفسهم بترك الهجرة واختيار مجاورة الكفرة الموجبة للإخلال بأمور الدين فإنها نزلت في ناس من مكة قد أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة فإنه تعالى لم يكن يقبل الإسلام بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة إلا بالهجرة إليها ثم نسخ ذلك بعد فتح مكة بقوله عليه السلام :"لا هجرة بعد الفتح" قال الله تعالى فيمن آمن وترك الهجرة ﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَـايَتِهِم مِّن شَىْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ (الأنفال : ٧٢) وهو حال من ضمير توفاهم فإنه وإن كان مضافاً إلى المعرفة وحق الحال أن يكون نكرة إلا أن أصله ظالمين أنفسهم فتكون الإضافة لفظية ﴿قَالُوا﴾ أي الملائكة
٢٦٨
للمتوفين تقريراً لهم بتقصيرهم في إظهار إسلامهم وإقامة أحكامه من الصلاة ونحوها وتوبيخاً لهم بذلك
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٨


الصفحة التالية
Icon