منه ويخاف من عقابه ﴿وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ عالم بهم وبأحوالهم فلا طريق إلى الاستخفاء منه سوى ترك ما يستقبحه ويؤاخذ عليه ﴿إِذ﴾ ظرف منصوب بالعامل في الظرف الواقع خبراً وهو معهم ﴿يُبَيِّتُونَ﴾ يدبرون ويزورون ﴿مَا لا يَرْضَى﴾ الله ﴿مِنَ الْقَوْلِ﴾ من رمي البريء والحلف الكاذب وشهادة الزور فإن طعمة قال : ارمي اليهودي بأنه سارق الدرع واحلف إني لم أسرقها فتقبل يميني لأني على دينهم ولا تقبل يمين اليهودي وقال قوم طعمة من الأنصار نشهد زوراً لندفع شين السرقة وعقوبتها عمن هو واحد منا ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الأعمال الظاهرة والخافية ﴿مُحِيطًا﴾ لا يفوت عنه شيء ﴿هَـاأَنْتُمْ﴾ مبتدأ ﴿هَـاؤُلاءِ﴾ خبره والهاء في أول كل منهما للتنبيه والجملة التي بعد هذه الجملة مبينة لوقوع أولاء خبراً كما تقول لبعض الأسخياء أنت حاتم تجود بمالك وتؤثر على نفسك والخطاب مع قوم من المؤمنين كانوا يذبون عن طعمة وعن قومه بسبب أنهم كانوا في الظاهر من المسلمين ﴿جَـادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ المجادلة أشد المخاصمة والمعنى هبوا أنكم خاصمتم عن طعمة وعن قومه في الدنيا ﴿فَمَن يُجَـادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ﴾ فمن يخاصم عنهم في الآخرة إذا أخذهم الله بعذابه ﴿أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا﴾ حافظاً وحامياً من بأس الله وانتقامه.
وفي "التأويلات النجمية" : وكيلاً يتكلم بوكالتهم يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذٍقال السعدي قدس سره :
دران روز كز فعل رسند وقول
أولوا العزم راتن بلرزد زهول
بجايى كه دهشت خورد أنبياء
تو عذر كنه راه داري بيا
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٨
فعلى العبد أن يتوب قبل الموت من كل معصية توبة نصوحاً ويتدارك ما فرط من تقصيره في فرائض الله ويرد المظالم إلى أهلها حبة حبة ويستحل كل من تعرض له بلسانه شتماً أو قذفاً أو استهزاء أو غيبة ويده ضرباً وسوء ظنه بقلبه ويطيب قلوبهم حتى يموت ولم يبق عليه فريضة ولا مظلمة فما أشد فرحك اليوم بتمضمضك بأعراض الناس وتناولك أموالهم وما أشد حسرتك في ذلك اليوم إذا وقف بك على بساط العدل وشوفهت بخطاب السيآت وأنت مفلس فقير عاجز مهين لا تقدر على أن ترد حقاً أو تظهر عذراً فكيف بك يا مسكين في يوم ترى فيه صحيفتك خالية على حسنات طال فيها تعبك فتقول أين حسناتي؟ فيقال : نقلت إلى صحيفة خصمائك فتوهن نفسك يا أخي إذا تطايرت الكتب ونصبت الموازين وقد نوديت باسمك على رؤوس الخلائق أين فلان ابن فلان؟ هلم إلى العرض على الله وقد وكلت الملائكة بأخذك فقربتك إلى الله لا يمنعها اشتباه الأسماء باسمك إذا عرفت أنك المراد بالدعاء إذا فزع النداء قلبك فعلمت أنك المطلوب فارتعدت فرائصك واضطربت جوارحك وتغير لونك وطار قلبك تخطى بك الصفوف إلى ربك للعرض عليه والوقوف بين يديه وقد رفع الخلائق إليك أبصارهم وأنت في أيديهم وقد طار قلبك واشتد رعبك لعلمك أين يراد بك قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "يؤمر بنفر من الناس يوم القيامة إلى الجنة حتى إذا دنوا منه واستنشقوا رائحتها ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله تعالى لأهلها ثم نودوا إن أصرفوهم
٢٨٠
عنها لا نصيب لهم فيها فيرجعون بحسرة وندامة ما رجع الأولون والآخرون بمثلها فيقولون يا ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثواب ما أعددت لأوليائك فيقول الله تعالى ذاك أردت بكم كنتم إذا خلوتم بي بارزتموني بالعظام فإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين ترون الناس خلاف ما ينطوي عليه قلوبكم هبتم الناس ولم تهابوني أجللتم الناس ولم تجلوني تركتم للناس ولم تتركوا لي" يعني : لأجل الناس "فاليوم أذيقكم اليم عقابي مع ما حرمتكم" يعني : من جزيل ثوابي قال تعالى :﴿يُخَـادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَـادِعُهُمْ﴾ (النساء : ١٤٢) كذا في "تنبيه الغافلين" فإذا عرفت هذا فاجتهد في أن لا تكون من الذين لا يستخفون من الله واجعل خيانتك أمانة وإثمك طاعة وظلمك عدلاً وتزويرك صدقاً محضاً واستغفر الله فإن الاستغفار دواء الأوزار وبه ينفتح باب الملكوت إلى الله الملك الغفار.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٨