وفي "التأويلات النجمية" :﴿فَقَدِ احْتَمَلَ﴾ صاحب النفس ﴿بُهْتَـانًا﴾ أبهت القلوب عن العبودية والطاعة ﴿وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ بما أتمت به نفسه من المعاصي وأثم بها قلبه فيكون بمنزلة من جعل اللب وهو القلب جلداً وهو النفس وهذا من أكبر الشقاوة فلا ينقطع عنه العذاب إذا صار كل وجوده جلوداً فيكون من جملة الذين قالوا الله تعالى فيهم ﴿سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَـاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ لأنهم بدلوا الألباب بالجلود ههنا انتهى.
واعلم أن الاستغفار فرار العبد من الخلق إلى الخالق ومن الأنانية إلى الهوية الذاتية وذلك عند صدق الطلب ومن طلبه وجده كما قال :"ألا من طلبني وجدني" قال موسى عليه السلام : أين أجدك يا رب قال :"يا موسى إذا قصدت إليّ فقد وصلت إليّ" فلا بد من الاستغفار مطلقاً، ويقال : سلطان بلا عدل كنهر بلا ماء.
وعالم بلا عمل كبيت بلا سقف.
وغني بلا سخاوة كسحاب بلا مطر.
وشاب بلا توبة كشجر بلا ثمر.
وفقير بلا صبر كقنديل بلا ضوء.
وامرأة بلا حياء كطعام بلا ملح.
وتهذيب الأخلاق قبل الموت من سنن الأخيار والعمل الصالح قرين الرجل كما أن السوء كذلك :
ناكهان بانك درسراي افتاد
كه فلا نرا محل وعده رسيد
دوستان آمدند تالب كور
قدمي ند وبازس كرديد
وين كز ودسترس نميد أرى
مال وملك وقباله برده كليد
وين كه يوسته باتو خواهد بود
عمل تست ونفس اك وليد
نيك درياب وبدمكن زنهار
كه بدونيك باز خواهي ديد
ـ حكي ـ أن الشيخ وفا المدفون بقسطنطينية في حريم جامعه الشريف أهدي إليه ثمانون ألف درهم من قبل السلطان بايزيد الثاني ليعقد عقد النكاح لبعض بناته فقال : لا أفعل ولو أعطيت الدنيا وما فيها قيل : ولم؟ قال : لأن لي أوراداً إلى الضحى لا أنفك عنها ساعة وأنام من الضحى إلى الظهر لا أترك منه ساعة وأما بعد الظهر فأنتم لا ترضونه لأن النهار يكون في الانتقاص وهكذا يكون طالب الحق في ليله ونهاره فإن الدنيا فانية فالحي الباقي هو الله تعالى فلا بد من طلبه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨١
﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ﴾ بالعصمة ﴿لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ﴾ أي من بني ظفر وهم الذابون عن طعمة ﴿أَن يُضِلُّوكَ﴾ أي بأن يضلوك عن القضاء بالحق بتلبيسهم عليك مع علمهم بأن الجاني هو صاحبهم وليس القصد فيه إلى نفي همهم بل إلى نفي تأثيره ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنفُسَهُمْ﴾ لأن وبالهم عليهم ﴿وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْءٍ﴾ محل الجار والمجرور النصب على المصدرية أي وما يضرونك شيئاً من الضرر لأن الله عاصمك وما خطر ببالك كان اعتماداً منك على ظاهر الأمر لا ميلاً في الحكم ﴿وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَـابَ﴾ أي القرآن ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾ أي ما في القرآن من الأحكام وعرفك الحلال والحرام ﴿وَعَلَّمَكَ﴾ بالوحي من الغيب وخفيات الأمور ﴿مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ﴾ ذلك إلى وقت التعليم ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ إذ لا فضل أعظم من النبوة العامة والرياسة
٢٨٢
التامة ومن ذلك الفضل العظيم عصمته وتعليمه ما لم يعلم.
قال الحدادي في "تفسيره" وفي هذه الآيات دلالة أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم لغيره في إثبات حق أو نفيه غير عالم بحقيقة أمره وأنه لا يجوز للحاكم الميل إلى أحد الخصمين وإن كان أحدهما مسلماً والآخر كافراً وأن وجود السرقة في يدي إنسان لا يوجب الحكم بها عليه انتهى.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨٢
واعلم أن هذه الآية جامعة لفضائل كثيرة.
منها بيان أن وبال الشر يعود على صاحبه كما أن منفعة الخير تعود على فاعله، قال الصائب :
أول بظالمان أثر ظلم ميرسد
يش از هدف هميشه كمان ناله ميكند
ـ حكي ـ أن الله تعالى أيبس يد رجل يذبح عجل بقرة بين يدي أمه ثم ردها برد فرخ سقط من وكره إلى أمه يقال ثلاثة لا يفلحون بائع البشر وقاطع الشجر وذابح البقر.