إما جسمانية كإعطاء المال وإليه الإشارة بقوله عز وجل :﴿إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ﴾.
وإما روحانية وإليه الإشارة بقوله :﴿أَوْ مَعْرُوفٍ﴾.
وأما دفع الضرر فقد أشير إليه بقوله :﴿أَوْ إِصْلَـاحا بَيْنَ النَّاسِ﴾ ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَالِكَ﴾ إشارة إلى الأمور المذكورة أعني الصدقة والمعروف والإصلاح فإنه يشار به إلى متعدد وإنما بنى الكلام على الأمر حيث قال أولاً إلا من أمر فهو كلام في حق الآمر بالفعل ورتب الجزاء على الفعل حيث قال : ومن يفعل فهو كلام في حق الفاعل وكان المناسب للأول أن يبين حكم الآمر ويقول ومن يأمر بذلك ليدل على أنه لما دخل الآمر في زمرة الخيرين كان الفاعل أدخل فيهم وأن العمدة والغرض هو الفعل واعتبار الأمر من حيث أنه وصلة إليه.
ففي تحريض الآمر بالأمور المذكورة على فعلها ﴿ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ أي : طلب رضى الله تعالى علة للفعل والتقييد به لأن الأعمال بالنيات وأن من فعل خيراً رياء وسمعة لم يستحق به غير الحرمان.
قال السعدي :
كرت بيخ إخلاص در بوم نيست
ازين دركسي ون تو محروم نيست
زعمرو اي سر شم اجرت مدار
و در خانه زيد باشي بكار
﴿فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ يقصر عنه الوصف ويستحقر دونه ما فات من أعراض الدنيا ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ﴾ يخالفه من الشق فإن كلا من المخالفين في شق غير شق الآخر ﴿مِنا بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى﴾ ظهر له الحق بالوقوف على المعجزات الدالة على نبوته
٢٨٤
﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي غير ما هم مستمرون عليه من اعتقاد وعمل وهو الدين القيم ﴿نُوَلِّه مَا تَوَلَّى﴾ أي نجعله والياً لما تولاه من الضلال ونخذله بأن نخلي بينه وبين ما اختار ﴿وَنُصْلِه جَهَنَّمَ﴾ أي ندخله فيها ﴿وَسَآءَتْ مَصِيرًا﴾ أي : جهنم.
ـ روي ـ أن طعمة عاند حكم الله وخالف رسول الله خوفاً من فضاحة قطع اليد فهرب إلى مكة واتبع دين أهلها ومات كافراً فعلى العاقل أن لا يخالف الجماعة وهم المؤمنون فإن الشاة الخارجة عن القطيع يأكلها الذئب وسبيل المؤمنين هو السبيل الحق الموصل إلى الجنة والقربة والوصلة واللقاء.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨٢
والإشارة أنه ﴿لا خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاـاهُمْ﴾ أي الذين يتناجون من النفس والشيطان والهوى لأنهم شرار ولا فيما يتناجون به لأنهم يأمرون بالسوء والفحشاء والمنكر ثم استثنى وقال ﴿إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَـاحا بَيْنَ النَّاسِ﴾ أي إلا فيمن أمر بهذه الخيرات فإن فيه الخير وهو الله تعالى فإنه يأمر بالخيرات بالوحي عموماً أو يأمر بالخاطر الرحماني والإلهام الرباني خواص عباده فالخاطر يكون بواسطة الملك وبغير الواسطة كما قال عليه السلام :"إن للملك لمة وإن للشيطان لمة فلمة الملك إيعاد بالخير ولمة الشيطان إيعاد بالشر" والإلهام ما يكون من الله تعالى بغير الواسطة وهو على ضربين.
ضرب منه ما لا شعور به للعبد أنه من الله.
وضرب منه ما يكون بإشارة صريحة يعلم العبد أنه آت من الله تعالى لتعليم نور الإلهام وتعريفه لا يحتاج إلى معرفة آخر أنه من الله تعالى وهذا يكون للولي وغير الولي كما قال بعض المشايخ حدثني قلبي عن ربي وقال عليه السلام :"إن الحق لينطق على لسان عمر" وقال :"كادت فراسته أن تسبق الوحي" ثم قال :﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَالِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ أي : ومن يفعل بما ألهمه الله طلباً لمرضاته ﴿فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ ذكر بفاء التعقيب قوله فسوف يعني عقيب الفعل نؤتيه أجراً وهو جذبة العناية التي تجذبه عنه وتوصله إلى العظيم ثم قال :﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ﴾ أي : يخالف الإلهام الرباني الذي هو رسول الحق إليه ﴿مِنا بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى﴾ بتعريف الإلهام ونوره ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الموقنين بالإلهام بأن يتبع الهوى وتسويل النفس وسبيل الشيطان ﴿نُوَلِّه مَا تَوَلَّى﴾ أي : نكله بالخذلان إلى ما تولى ﴿وَنُصْلِهِ﴾ بسلاسل معاملاته التي تولى بها إلى ﴿جَهَنَّمَ﴾ سفليات الصفات البهيمية والسبعية والشيطانية ﴿وَسَآءَتْ مَصِيرًا﴾ أي ما صار إليه من عبادة الهوى واتباع النفس والشيطان وإشراكهم بالله في المطاوعة كذا في "التأويلات النجمية".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨٢