ما قارنه عمل وإلا فهو أمنية والأمنية منية أي موت إذ هي موجبة لتعطيل فوائد الحياة، قال السعدي :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٠
قيامت كه بازار نيهو نهند
منازل بأعمال نيكو نهند
بضاعت بندانكه آرى برى
اكر مفلسي شرمساري بري
كسى راكه حسن عمل بيشتر
بدركاه حق منزلت يشتر
ثم إنه تعالى أكد حكم الجملة الماضية وقال :﴿مَن يَعْمَلْ سُواءًا﴾ عملاً قبيحاً ﴿يُجْزَ بِهِ﴾ عاجلاً أو آجلاً لما روي أنه لما نزلت قال أبو بكر رضي الله عنه فمن ينجو مع هذا يا رسول الله فقال عليه السلام :"أما تحزن أما تمرض أما يصيبك اللاواء" قال : بلى يا رسول الله قال :"هو ذلك" قال أبو هريرة رضي الله عنه لما نزل قوله تعالى :﴿مَن يَعْمَلْ سُواءًا يُجْزَ بِهِ﴾ بكينا وحزنا وقلنا : يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء قال :"أما والذي نفسي بيده لكما أنزلت ولكن يسروا وقاربوا وسددوا" أي : اقصدوا السداد أو الصواب "ولا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي ذلك بكم إلى الملال فتتركوا العمل" كذا في "المقاصد الحسنة" ﴿وَلا يَجِدْ لَه مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا﴾ أي : ولا يجد لنفسه إذا جاوز موالاة الله ونصرته من يواليه وينصره في دفع العذاب عنه ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّـالِحَـاتِ﴾ من للتبعيض أي : بعضها وشيئاً منها فإن كل أحد لا يتمكن من كلها وليس مكلفاً بها وإنما يعمل منها ما هو تكليفه وفي وسعه وكم من مكلف لا حج عليه ولا جهاد ولا زكاة وتسقط عنه الصلاة في بعض الأحوال ﴿مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى﴾ في موضع الحال من المستكن في يعمل ومن للبيان ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ حال شرط اقتران العمل بها في استدعاء الثواب المذكور لأنه لا اعتداد بالعمل بدون الإيمان فيه فأولئك المؤمنون العاملون ﴿يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ أي : لا ينقصون مما استحقوه من جزاء أعمالهم مقدار النقير وهي النقرة أي الحفرة التي في ظهر النواة ومنها تنبت النخلة وهو علم في القلة والحقارة وإذا لم ينقص ثواب المطيع فبالحرى أن لا يزاد عقاب العاصي لأن المجازي أرحم الراحمين وفي الحديث :"إن الله وعد على الطاعة عشر حسنات وعلى المعصية الواحدة عقوبة واحدة فمن جوزي بالسيئة نقصت واحدة من عشر وبقيت له تسع حسنات فويل لمن غلبت آحاده أعشاره" أي : سيآته على حسناته.
قال النيسابوري حكمة تضعيف الحسنات لئلا يفلس العبد إذا اجتمع الخصماء في طاعته فيدفع إليهم واحدة ويبقى له تسع فمظالم العباد توفى من التضعيفات لا من أصل حسناته لأن التضعيف فضل من الله تعالى وأصل الحسنة الواحدة عدل منه واحدة بواحدة.
وقد ذكر الإمام البيهقي في كتاب البعث فقال : إن التضعيفات فضل من الله تعالى لا تتعلق بها العباد كما لا تتعلق بالصوم بل يدخرها الحق للعبد فضلاً منه سبحانه فإذا دخل الجنة أثابه بها.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٠
قال السعدي قدس سره :
نكوكاري ازمردم نيك رأى
يكى رابده مى نويسد خداي
جوانا ره طاعت امروز كير
كه فردا جواني نيايد زير
ره خير بازست وطاعت وليك
نه هركس تواناست بر فعل نيك
همه برك بودن همي ساختي
بتدبير رفتن نرداختي
٢٩١
واعلم أن جميع الأعمال الصالحة يزيد في نور الإيمان فعليك بالطاعات والحسنات والوصول إلى المعارف الإلهية فإن العلم بالله أفضل الأعمال ولذلك لما قيل : يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال :"العلم بالله" فقيل الأعمال نريد؟ قال :"العلم بالله" فقيل : نسأل عن العمل وتجيب عن العلم فقال :"إن قليل العمل ينفع مع العلم وإن كثير العمل لا ينفع مع الجهل" وذلك إنما يحصل بتصفية الباطن مع صيقل التوحيد وأنواع الأذكار ولا يعقلها إلا العالمون.