ـ روي ـ أن إبراهيم عليه السلام بعث إلى خليل له بمصر في أزمة أصابت الناس يمتار منه فقال خليله : لو كان إبراهيم يريد لنفسه لفعلت ولكن يريد للأضياف وقد أصابنا ما أصاب الناس فاجتاز غلمانه ببطحاء لينة فملأوا منها الغرائر حياء من الناس فلما أخبروا إبراهيم ساءه الخبر فغلبته عيناه فنام فقامت سارة إلى غرارة منها فأخرجت حواري واختبزت فاستيقظ إبراهيم فاشتم رائحة الخبز فقال : من أين هذا لكم؟ فقالت : من خليلك المصري فقال : بل من عند خليلي الله عز وجل فسماه الله خليلاً.
وفي الخبر تعجب الملائكة من كثرة ماله وخدمه وكان له خمسة آلاف قطيع من الغنم وعليها كلاب المواشي بأطواق الذهب فتمثل له ملك في صورة البشر وهو ينظر أغنامه في البيداء فقال الملك : سبوح قدوس ربنا ورب الملائكة والروح فقال إبراهيم عليه السلام كرر ذكر ربي ولك نصف ما ترى من أموالي فكرر الملك فنادى ثانياً كرر تسبيح ربي ولك جميع ما ترى من مالي فتعجب الملائكة فقالوا : جدير أن يتخذك الله خليلاً فعلى هذا إنما سمي الخليل خليلاً على لسان الملائكة.
قال القاضي في الشفاء الخلة هنا أقوى من النبوة لأن النبوة قد يكون فيها العداوة كما قال تعالى :﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَـادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ﴾ (التغابن : ١٤) ولا يصح أن تكون عداوة مع خلة ومن شرط الخلة استسلام العبد في عموم أحوالهبالله وأن لا يدخر شيئاً مع الله لا من ماله وجسده ولا من نفسه ولا من روحه وخلده ولا من أهل وولده وهكذا كان حال إبراهيم عليه السلام.
جانكه نه قربانى جانان بود
جيفه تن بهترازان جان بود
هركه نه شد كشته بشمشير دوست
لاشه مردار به ازجان اوست
ومن شرط المحبة فناء المحب في المحبة وبقاؤه في المحبوب حتى لم تبققِ المحبة من المحب إلا الحبيب وهذا حال محمد صلى الله عليه وسلّم قيل لمجنون بني عامر : ما اسمك قال : ليلى.
قال شيخي وسندي ومن هو بمنزلة روحي في جسدي في كتاب "اللائحات البرقيات" : إن الخلة والمحبة الإلهية الأحدية تجلبت لنبينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم بحقيقتها ولإبراهيم عليه السلام بصورتها ولغيرهما بخصوصياتها الجزئيات بحسب قابلياتهم ونبينا عليه السلام في مقام الخلة والمحبة بمنزلة المرتبة الأحدية الذاتية وإبراهيم عليه الصلاة والسلام بمنزلة المرتبة الواحدية
٢٩٣
الصفاتية وغيرهما بمنزلة المرتبة الواحدية الأفعالية وإلى هذه المقامات والمراتب إشارة في البسملة على هذا الترتيب ونبينا محمد صلى الله عليه وسلّم خليل الله وحبيبه بالفعل وإبراهيم عليه السلام خليل الرحمن وحبيبه بالفعل وغيرهما من الأنبياء عليه السلام أخلاء الرحيم وأحباؤه بالفعل انتهى كلام الشيخ العلامة أبقاه الله بالسلامة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٢
واعلم أنه عليه السلام قال :"إن الله اتخذني خليلاً ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً" يعني : لو جاز لي أن أتخذ صديقاً من الخلق يقف على سري لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن لا يطلع على سري إلا الله ووجه تخصيصه بذلك أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ كان أقرب بسر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما روي أنه عليه السلام قال :"إن أبا بكر لم يفضل عليكم بصوم ولا صلاة ولكن بشيء كتب في قلبه" وانفهم من عدم اتخاذه عليه السلام أحداً خليلاً انفصاله عما سوى الله تعالى فكل الكائنات متصل به وهو غير متصل بشيء أصلاً سوى الله سبحانه وتعالى اللهم ارزقنا شفاعته.
قال الشيخ السعدي في نعته الشريف :
شبى برنسشت ازفلك در كذشت
بتمكين جاه از ملك در كذشت
نان كرم درتيه قربت براند
كه در سدره جبريل ازوبازماند
فهذا انفصاله عن العلويات والسفليات ووصوله إلى حضرة الذات.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٢


الصفحة التالية
Icon