جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٤
﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنا بَعْلِهَا﴾ امرأة فاعل فعل يفسره الظاهر أي إن خافت امرأة خافت وتوقعت من زوجها ﴿نُشُوزًا﴾ تجافياً عنها وترفعا من صحبتها كراهة لها ومنعاً لحقوقها من النشز وهو ما ارتفع من الأرض فنشوز كل واحد من الزوجين كراهته صاحبه وترفعه عليه لعدم رضاه به ﴿أَوْ إِعْرَاضًا﴾ بأن يقل مجالستها ومحادثتها وذلك لبعض الأسباب من طعن في سن أو دمامة أو شين في خلق أو خلق أو ملال أو طموح عين إلى أخرى أو غير ذلك.
قال الإمام المراد
٢٩٥
بالنشوز إظهار الخشونة في القول أو الفعل أو فيهما والمراد بالإعراض السكوت عن الخير والشر والمراعاة والإيذاء.
ـ روي ـ أن الآية نزلت في خويلة ابنة محمد بن مسلمة وزوجها سعد بن الربيع تزوجها وهي شابة فلما علاها الكبر تزوج شابة وآثرها عليها وجفاها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلّم واشتكت إليه ذلك ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ﴾ حينئذٍ ﴿أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾ أي : في أن يصلحا بينهما إصلاحاً بأن تحط له المهر أو بعضه أو القسم كما فعلت سودة رضي الله عنها وكانت كبيرة مسنة وذلك أن أم المؤمنين سودة ابنة زمعة التمست من رسول الله حين أراد عليه السلام أن يطلقها أن يمسكها وتجعل نوبتها لعائشة رضي الله عنها لما عرفت مكان عائشة من قلبه عليه السلام فأجازه النبي عليه السلام ولم يطلقها وكان عليه السلام بعد هذا الصلح يقسم لعائشة يومها ويوم سودة.
قال الحدادي : مثل هذا الصلح لا يقع لازماً لأنها إذا أبت بعد ذلك إلا المقاسمة على السواء كان لها ذلك ﴿وَالصُّلْحُ﴾ الواقع بين الزوجين ﴿خَيْرٍ﴾ أي : من الفرقة أو من سوء العشرة أو من الخصومة.
فاللام للعهد ويجوز أن لا يراد به التفضيل بل بيان أنه خير من الخيور كما أن الخصومة شر من الشرور فاللام للجنس.
قال السيوطي في "حسن المحاضرة في أحوال مصر والقاهرة" : إن شئت أن تصير من الأبدال فحول خلقك إلى بعض خلق الأطفال ففيهم خمس خصال لو كانت في الكبار لكانوا أبدالاً لا يهتمون للرزق ولا يشكون من خالقهم إذا مرضوا ويأكلون الطعام مجتمعين وإذا خافوا جرت عيونهم بالدموع وإذا تخاصموا لم يتجاوزوا وتسارعوا إلى الصلح ونعم ما قيل :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٥
ابلهست آنكه فعل اوست لجاج
ابلهي را كجا علاج بود
تاتواني لجاج يشه مكير
كافت دوستي لجاج بود
﴿وَأُحْضِرَتِ الانفُسُ الشُّحَّ﴾ أي : جعلت حاضرة له مطبوعة عليه لا تنفك عنه أبداً فلا المرأة تسمح بحقوقها من الرجل ولا الرجل يجود بحسن المعاشرة مع دمامتها وكبر سنها وعدم حصول اللذة بمجالستها وأصل الكلام أحضر الله الأنفس الشح فلما بنى للمفعول أقيم مفعوله الأول مقام الفاعل والشح البخل مع حرص فهو أخص من البخل
وعن عبد الله بن وهب عن الليث قال : بلغني أن إبليس لقي نوحاً فقال له إبليس : يا نوح اتق الحسد والشح فإني حسدت آدم فخرجت من الجنة وشح آدم على شجرة واحدة منعها حتى خرج من الجنة.
ولقي يحيى بن زكريا عليهما السلام إبليس في صورته فقال له : أخبرني بأحب الناس إليك وأبغض الناس إليك قال : أحب الناس إليّ المؤمن البخيل وأبغضهم إليّ الفاسق السخي قال يحيى : وكيف ذلك؟ قال : لأن البخيل قد كفاني بخله والفاسق السخي أتخوف أن يطلع الله عليه في سخائه فيقبله ثم ولى وهو يقول : لولا أنك يحيى لم أخبرك كذا في "آكام المرجان" ﴿وَإِن تُحْسِنُوا﴾ أيها الأزواج بإمساكهن بالمعروف وحسن المعاشرة مع عدم موافقتهن لطباعكم ﴿وَتَتَّقُوا﴾ ظلمهن بالنشوز والإعراض ولم تضطروهن إلى بذل شيء من حقوقهن.
﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الإحسان والتقوى ﴿خَبِيرًا﴾ عليماً به وبالغرض فيه فيجازيكم ويثيبكم عليه البتة لاستحالة أن يضيع أجر المحسنين.
ـ روي ـ أن رجلاً من بني آدم كانت له امرأة من أجملهم فنظرت إليه يوماً فقالت : الحمد لله قال :
٢٩٦
زوجها ما لك؟ فقالت : حمدت الله على أني وأنك من أهل الجنة لأنك رزقت مثلي فشكرت ورزقت مثلك فصبرت وقد وعد الله بالجنة للصابرين والشاكرين، قال السعدي قدس سره :
و مستوره شدزن خوب روى
بديدار او بدر بهشتست شوى
اكر ارسا باشذ وخوش سخن
نكه در نكويى وزشتى مكن
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٥