﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَآءِ﴾ أي محال أن تقدروا على أن تعدلوا وتسووا بينهن بحيث لا يقع ميل ما إلى جانب إحداهن في شأن من الشؤون البتة ولذلك كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول :"اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك" وأراد به التسوية في المحبة وكان له فرط محبة لعائشة رضي الله عنها ﴿وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ أي : على إقامة العدل وبالغتم في ذلك ﴿فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾ أي : فلا تجوروا على المرأة المرغوب عنها كل الجور واعدلوا ما استطعتم فإن عجزكم عن حقيقة العدل إنما يصح عدم تكليفكم به لا بما دونه من المراتب الداخلة تحت استطاعتكم وما لا يدرك كله لا يترك كله وفي الحديث "استقيموا ولن تحصوا" أي لن تستطيعوا أن تستقيموا في كل شيء حتى لا تميلوا ﴿فَتَذَرُوهَا﴾ مجزوم عطف على الفعل قبله أي فلا تتركوا التي ملتم عنها حال كونها ﴿كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ وهي المرأة التي لا تكون أيما فتزوج ولا ذات بعل يحسن عشرتها كالشيء المعلق الذي لا يكون في الأرض ولا في السماء وفي الحديث "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل" وكان لمعاذ رضي الله عنه امرأتان فإذا كان عند إحداهما لم يتوضأ في بيت الأخرى فماتتا في الطاعون فدفنهما في قبر واحد ﴿وَإِن تُصْلِحُوا﴾ ما كنتم تفسدون من أمورهن ﴿وَتَتَّقُوا﴾ الميل فيما يستقبل ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا﴾ يغفر لكم ما مضى من ميلكم ﴿رَّحِيمًا﴾ يتفضل عليكم برحمته ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا﴾ أي : وأن يفارق كل واحد منهما صاحبه بأن لم يتفق بينهما وفاق بوجه ما من الصلح أو غيره ﴿يُغْنِ اللَّهُ كُلا﴾ منهما أي : يجعله مستغنياً عن الآخر ويكفه مهماته ﴿مِّن سَعَتِهِ﴾ من غناه وقدرته وفيه زجر لهما عن مفارقة أحدهما رغماً لصاحبه ﴿وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ أي : مقتدراً متقناً في أفعاله وأحكامه وله حكمة بالغة فيما يحكم من الفرقة يجعل لكل واحد منهما من يسكن إليه فيتسلى به عن الأول وتزول حرارة محبته عن قلبه وينكشف عنه هم عشقه فعلى المؤمن ترك حظ النفس والدور مع الأمر الإلهي في جملة أموره وأحكامه والعمل في حق النساء بقوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٥
﴿فَإِمْسَاكُا بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحُا بِإِحْسَـانٍ﴾ (البقرة : ٢٢٩) والميل إلى جانب العدل والإعراض عن طرف الظلم والاستحلال قبل أن يجيء يوم لا بيع فيه ولا خلال.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : يؤخذ بيد العبد أو الأمة فينصب على رؤوس الأولين والآخرين ثم ينادي منادٍ هذا فلان ابن فلان فمن كان له حق لليأت إلى حقه فتفرح المرأة أن يكون لها الحق على ابنها أو أخيها أو على أبيها أو على زوجها ثم قرأ ابن مسعود رضي الله عنه ﴿فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَآءَلُونَ﴾ (المؤمنون : ١٠١) فيقول الرب تعالى للعبد آت هؤلاء حقوقهم فيقول رب لست في الدنيا فمن أين أوتيهم؟ فيقول للملائكة خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل إنسان منهم بقدر طلبته فإن كان ولياًفضلت من حسناته مثقال حبة من خردل من خير ضاعفها حتى يدخله بها الجنة ثم قرأ
٢٩٧
﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍا وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَـاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (النساء : ٤٠) وإن كان عبداً شقياً قالت الملائكة : رب فنيت حسناته وبقي الطالبون فيقول للملائكة خذوا من أعمالهم السيئة فأضيفوها إلى سيآته وصكوا له صكاً إلى النار فلا بد من التوبة والاستغفار والرجوع إلى الملك الغفار والمجاملة في المعاملة مع الأخيار والأشرار ودفع الأذى عن أهل الإنكار والإقرار.