ـ روت ـ عائشة رضي الله عنها أن امرأة كانت بمكة تدخل على نساء قريش تضحكهنّ فلما هاجرن ووسع الله تعالى دخلت المدينة قالت عائشة فدخلت عليّ فقلت لها فلانة ما أقدمك قالت : إليكن قلت : فأين نزلت قالت : على فلانة امرأة كانت تضحك بالمدينة قالت عائشة ودخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال :"فلانة المضحكة عندكم" قالت عائشة قلت : نعم فقال :"فعلى من نزلت" قالت على فلانة المضحكة قال :"الحمدأن الأرواح جنود" الخ، ونعم ما قيل :
همه مرغان كندبا جنس رواز
كبوتر باز باباز
ولما كان الابد مرآة الأزل لا يظهر فيه إلا ما قدر في الأزل لذا قال الله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَـافِقِينَ وَالْكَـافِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ لأنهم كانوا في عالم الأرواح في صف واحد وفي الدنيا بذلك التناسب والتعارف في فن واحد وقال عليه السلام :"كما تعيشون تموتون وكما تموتون تحشرون".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٤
ففي إشارة الآية نهي لأصحاب القلوب عن المجالسة مع أرباب النفوس والموافقة في شيء من أهوائهم فإنهم إن يفعلوا ذلك يكونوا مثلهم يعني كون القلب كالنفس وصاحب القلب كصاحب النفس بالصحبة والمخالطة والمتابعة، قال الحافظ قدس سره :
نخست موعظه ير مجلس اين حرفست
كه از مصاحب ناجنس احتراز كنيد
قال الحدادي في تفسيره : إذن لم يجز جلوس المؤمن معهم لإقامة فرض أو سنة أما إذا كان جلوسه لإقامة عبادة وهو ساخط لتلك الحال لا يقدر على تغييرها فلا بأس بالجلوس كما روي عن الحسن أنه حضر وابن سيرين جنازة وهناك نوح فانصرف ابن سيرين فذكر ذلك للحسن فقال : ما كنا متى رأينا باطلاً تركنا حقاً أشرع ذلك في ديننا ولم يرجع انتهى كلامه.
وذكر أن الله تعالى أوحى إلى يوشع بن نون عليه السلام إني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم وستين ألفاً من شرارهم قال : يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ قال : إنهم لم يغضبوا لغضبي واكلوهم وشاربوهم وإذا كان
٣٠٥
الرجل مبتلى بصحبة الفجار في سفره للحج أو الغزاة لا يترك الطاعة بصحبتهم لكن يكرهه بقلبه ولا يرضى به فلعل الفاسق يتوب ببركة كراهة قلبه ومن دعى إلى ضيافة فوجد ثمة لعباً أو غناء يقعد إن كان غير قدوة ويمنع إن قدر وإن كان قدوة كالقاضي والمفتي ونحوهما يمنع ويقعد فإن عجز خرج وإن كان ذلك على المائدة أو كانوا يشربون الخمر خرج وإن لم يكن قدوة وإن علم قبل الحضور لا يحضر في الوجوه كلها كذا في "تحفة الملوك".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٤
﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ﴾ أي : المنافقون هم الذين ينتظرون وقوع أمر لكم خيراً كان أو شراً ﴿فَإِن كَانَ لَكُمْ﴾ أيها المؤمنون ﴿فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ أي ظفر ودولة وغنيمة ﴿قَالُوا﴾ أي لكم ﴿أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ﴾ على دينكم مظاهرين لكم فاسهموا لنا فيما غنمتم ﴿وَإِن كَانَ لِلْكَـافِرِينَ نَصِيبٌ﴾ أي ظهور على المسلمين ﴿قَالُوا﴾ أي للكفرة ﴿أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾ الاستحواذ الاستيلاء أي ألم نغلبكم ونمكن من قتلكم وأسركم فابقينا عليكم أي ترحمنا ﴿وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بأن ثبطناهم عنكم وخيلنا لهم ما ضعفت به قلوبهم أو أمرجنا في جنابكم وتوانينا في مظاهرتهم عليكم وإلا لكنتم نهبة للنوائب فهاتوا نصيباً مما أصبتم وإنما سمي ظفر المسلمين فتحاً وظفر الكافرين نصيباً تعظيماً لشأن المسلمين وتخسيساً لحظ الكافرين لأن ظفر المسلمين أمر عظيم تفتح له أبواب السماء حتى ينزل على أوليائه وأما ظفر الكافرين فمقصور على أمر دنيوي سريع الزوال ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ أي : بين المؤمنين والمنافقين بطريق تغليب المخاطبين على الغائبين ﴿يَوْمَ الْقِيَـامَةِ﴾ أي يحكم حكماً يليق بشأن كل منكم من الثواب والعقاب وأما في الدنيا فقد جرى على من تفوه بكلمة الإسلام حكمه ولم يضع السيف على من تكلم بها نفاقاً
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٦