﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَالِكَ﴾ حال من فاعل يراءون وذلك إشارة إلى الإيمان والكفر المدلول عليهما بمعونة المقام أي مرددين بينهما متحيرين قد ذبذبهم الشيطان والهوى بينهما وحقيقة المذبذب ما يذب ويدفع عن كلا الجانبين مرة بعده أخرى ﴿لا إِلَى هَـاؤُلاءِ وَلا إِلَـاى هَـاؤُلاءِ﴾ حال من ضمير مذبذبين أي لا منسوبين إلى المؤمنين فيكونون مؤمنين ولا إلى الكافرين فيكونون مشركين ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ﴾ لعدم استعداده للهداية والتوفيق ﴿فَلَن تَجِدَ لَه سَبِيلا﴾ موصلاً إلى الحق والصواب فضلاً عن أن تهديه إليه والخطاب لكل من يصلح له كائناً من كان
٣٠٧
وكان صلى الله عليه وسلّم يضرب مثلاً للمؤمنين والمنافقين والكافرين كمثل رهط ثلاثة رفعوا إلى نهر فقطعه المؤمن ووقف الكافر ونزل فيه المنافق حتى إذا توسط عجز فناداه الكافر هلم إلي لا تغرق وناداه المؤمن هلم إلي لتخلص فما زال المنافق يتردد بينهما إذ أتى عليه ماء فغرقه فكأن المنافق لم يزل في شك حتى يأتيه الموت :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٦
اى كه دارى نفاق اندر دل
خار بادت خليده اندر حلق
هركه سازد نفاق يشه خويش
خوار كردد بنزد خالق وخلق
والإشارة ﴿إِنَّ الْمُنَـافِقِينَ﴾ إنما ﴿يُخَـادِعُونَ اللَّهَ﴾ في الدنيا لأن الله تعالى ﴿وَهُوَ خَـادِعُهُمْ﴾ في الأزل عند رش نوره على الأرواح وذلك أن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فلما رش نوره أصاب أرواح المؤمنين وأخطأ أرواح المنافقين والكافرين ولكن الفرق بين المنافقين والكافرين أن أرواح المنافقين رأوا رشاش النور وظنوا أنه يصيبهم فأخطأهم وأرواح الكافرين ما شاهدوا ذلك الرشاش ولم يصبهم وكأن المنافقين خدعوا عند مشاهدتهم الرشاش إذ ما أصابهم فمن نتائج مشاهدتهم الرشاش ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَواةِ﴾ من نتائج حرمانهم إصابة النور ﴿قَامُوا كُسَالَى يُرَآءُونَ النَّاسَ﴾ كيما يرونهم النور ﴿وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا﴾ لأنهم يذكرونه بلسان الظاهر القالبي لا بلسان الباطن القلبي والقالب من الدنيا وهي قليلة قليل ما فيها والقلب من الآخرة وهي كثيرة كثير ما فيها فالذكر الكثير من لسان القلب كثير والفلاح في الذكر الكثير لا في القليل لقوله تعالى :﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ (الزمر : ٢٢) أي : بلسان القلب ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الزمر : ٢٢) ولما كان ذكر المنافقين بلسان القالب كان قليلاً فما أفلحوا به وإنما كان ذكر المنافق بلسان الظاهر لأنه رأى رشاش النور ظاهراً من البعد ولم يصبه فلو كان أصابه ذلك النور لكان صدره منشرحاً به كما قال تعالى :﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَه لِلاسْلَـامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ (الزمر : ٢٢) أي على نور مما رش به ربه ومعدن النور هو القلب فكان قلبه ذاكراًبذلكالنور فإنه يصير لسان القلب فقليل الذكر منه يكون كثيراً فافهم جداً فلما كانت أرواح المنافقين مترددة متحيرة بين مشاهدة رشاش النور وبين الظلمة الخلقية لا إلى هؤلاء الذين أصابهم النور ولا إلى هؤلاء الذين لم يشاهدوا الرشاش لذلك كانوا ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَالِكَ﴾ المؤمنين والكافرين ﴿لا إِلَى هَـاؤُلاءِ وَلا إِلَـاى هَـاؤُلاءِا وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ﴾ بأخطاء ذلك النور كما قال ومن أخطأه فقد ضل ﴿فَلَن تَجِدَ لَه سَبِيلا﴾ ههنا إلى ذلك النور يدل عليه قوله :﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَه نُورًا فَمَا لَه مِن نُورٍ﴾ أي : ومن لم يجعل الله له قسمة من ذلك النور المرشش عليهم فما له اليوم نصيب من نور الهداية كذا في "التأويلات النجمية" اللهم ارزقنا الذكر الكثير واعصمنا من الذنب الصغير والكبير.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٦
يقال : حصون المؤمن ثلاثة : المسجد، وذكر الله، وتلاوة القرآن، والمؤمن إذا كان في واحد من ذلك أي من الأشياء الثلاثة فهو في حصن من الشيطان قال علي رضي الله عنه :"يأتي على الناس زمان لا يبقى في الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه يعمرون مساجدهم وهي خراب من ذكر الله تعالى شر أهل ذلك الزمان علماؤهم منهم تخرج الفتنة وإليهم تعود" قال السعدي قدس سره :
٣٠٨
كنون بايدت عذر تقصير كفت
نه ون نفس ناطق زكفتن بخفت
اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين آمين يا معين.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٦