يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَـافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أي : لا تتشبهوا بالمنافقين في اتخاذهم اليهود وغيرهم من أعداء الإسلام أحباء قوله من دون المؤمنين حال من فاعل لا تتخذوا أي متجاوزين ولاية المؤمنين ﴿أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا﴾ أي أتريدون بذلك أن تجعلواعليكم حجة بينة على أنكم منافقون فإن موالاتهم أوضح أدلة النفاق فالسلطان هو الحجة يقال للأمير سلطان يراد بذلك أنه حجة ويجوز أن يكون بمعنى الوالي والمعنى حينئذٍ أتريدون أن تجعلوا سلطاناً كائناً عليكم والياً أمر عقابكم مختصاًتعالى مخلوقاً له منقاداً لأمره ﴿إِنَّ الْمُنَـافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الاسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ هو الطبقة التي في قعر جهنم وهي الهاوية والنار سبع درجات سميت بذلك لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض والدركات في النار مثل الدرجات في الجنة كل ما كان من درجات الجنة أعلى فثواب من فيه أعظم وما كان من دركات النار أسفل فعقاب من فيه أشد.
وسئل ابن مسعود عن الدرك الأسفل فقال هو توابيت من حديد مبهمة عليهم لا أبواب لها، فإن قلت : لم كان المنافق أشد عذاباً من الكافر؟ قلت : لأنه مثله في الكفر وضم إلى كفره الاستهزاء بالدين والخداع للمسلمين فالمنافقون أخبث الكفرة، فإن قلت من المنافق؟ قلت : هو في الشريعة من أظهر الإيمان وأبطن الكفر وأما تسمية من ارتكب ما يفسق به بالمنافق فللتغليظ والتهديد والتشبيه مبالغة في الزجر كقوله من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :"ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان" وقيل لحذيفة رضي الله عنه : من المنافق؟ فقال : الذي يصف الإسلام ولا يعمل به.
وعن الحسن أتى على النفاق زمان وهو مقروع فيه فأصبح قد عمم وقلد وأعطى سيفاً يعني الحجاج، قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بمنافقيها وجئنا بالحجاج فضلناهم.
وعن عبد الله بن عمر أن إشد الناس عذاباً يوم القيامة ثلاثة المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون قال الله تعالى في أصحاب المائدة :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٩
﴿فَإِنِّى أُعَذِّبُه عَذَابًا لا أُعَذِّبُه أَحَدًا مِّنَ الْعَـالَمِينَ﴾ (المائدة : ١١٥) وقال في حق المنافقين :﴿إِنَّ الْمُنَـافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الاسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ (النساء : ١٤٥) وقال :﴿أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ (فاطر : ٤٦) قيل : لا يمتنع أن يجتمع القوم في موضع واحد ويكون عذاب بعضهم أشد من بعض ألا ترى أن البيت الداخل في الحمام يجتمع فيه الناس فيكون بعضهم أشد أذى بالنار لكونه أدنى إلى موضع الوقود وكذلك يجتمع القوم في القعود في الشمس وتأذي الصفراوي أشد وأكثر من تأذي السوداوي والمنافق في اللغة مأخوذ من النفق وهو السرب أي يستتر بالإسلام كما يستتر الرجل بالسرب وقيل : هو مأخوذ من قولهم نافق اليربوع إذا دخل نافقاءه فإذا طلب من النافقاء خرج من القاصعاء وإذا طلب من لقاصعاء خرج من النافقاء والنافقاء والقاصعاء حجر اليربوع ﴿وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ أي : مانعاً يمنع عنهم العذاب ويخرجهم من الدرك الأسفل من النار والخطاب لكل من يصلح له كائناً من كان ﴿إِلا الَّذِينَ تَابُوا﴾ أي عن النفاق هو استثناء من المنافقين
٣٠٩
بل من ضميرهم في الخبر ﴿وَأَصْلَحُوا﴾ ما أفسدوا من أحوالهم من حال النفاق بإتيان ما حسنه الشرع من أفعال القلوب والجوارح ﴿وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ﴾ أي وثقوا به وتمسكوا بدينه وتوحيده ﴿وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ﴾ أي جعلوه خالصاً لا يبتغون بطاعتهم إلا وجهه فأولئك الموصوفون بما ذكر من الصفات الحميدة ﴿مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي المؤمنين المعهودين الذين لا يصدر عنهم نفاق أصلاً وإلا فهم أيضاً مؤمنون أي معهم في الدرجات العالية من الجنة لا يضرهم النفاق السابق وقد بين ذلك بقوله تعالى :﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ لا يقادر قدره فيشاركونهم فيه ويساهمونهم وسوف كلمة ترجئة وأطماع وهي من الله سبحانه إيجاب لأنه أكرم الأكرمين ووعد الكريم إنجاز وإنما حذف الياء من يؤتى في الخط كما حذفت في اللفظ لسكونها وسكون اللام في اسم الله وكذلك سندع الزبانية ويدع الداع.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٩


الصفحة التالية
Icon