واعلم أن الكافر وإن أفسد برين الكفر صفاء روحه ولكن ما أضيف إلى رين كفره رين النفاق فكان لرين كفره منفذ من القلب إلى اللسان فيخرج بخاره من لسانه بإظهار الكفر وكان للمنافق مع رين كفره رين النفاق زائداً ولم يكن لبخار رينه منفذ إلى لسانه فكان بخارات رين الكفر ورين النفاق تنفذ من منفذ قلبه الذي هو إلى عالم الغيب فتتراكم حتى انسد منفذ قلبه بها وختم عليه بإفساد كلية الاستعداد من صفاء الروحانية فلم يتفق له الخروج عن هذا الأسفل ولا ينصره نصير بإخراجه لأنه مخذول بعيد عن الحق في آخر الصفوف وقال تعالى :﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ﴾ (آل عمران : ١٦٠) يعني في خلق أرواحكم في صف أرواح المؤمنين ﴿فَلا غَالِبَ لَكُمْ﴾ (آل عمران : ١٦٠) بأن يردكم إلى صف أرواح الكافرين ﴿وَإِن يَخْذُلْكُمْ﴾ بأن يخلق أرواحكم في صف أرواح الكافرين ﴿فَمَن ذَا الَّذِى يَنصُرُكُم مِّنا بَعْدِهِ﴾ (آل عمران : ١٦٠) بأن يخرجكم إلى صف المؤمنين ثم استثنى منهم من كان كفره ونفاقه عارية وروحه في أصل الخلقة خلقت في صف المؤمنين ثم بأدنى مناسبة في المحاذاة بين روحه وأرواح الكافرين والمنافقين ظهر عليه من نتائجها موالاة معلولة من القوم أياماً معدودة فما أفسدت صفاء روحانيته بالكلية وما انسد منفذ قلبه إلى عالم الغيب فهب له من مهب العناية نفحات الطاف الحق ونبه من نومة الغفلة ونبىء بالرجوع إلى الحق بعد التمادي في الباطل ونودي في سره بأن لا نصير لمن اختار الأسفل ولا يخرج منه ﴿إِلا الَّذِينَ تَابُوا﴾ أي : ندموا على ما فعلوا ورجعوا عن تلك المعاملات الرديئة ﴿وَأَصْلَحُوا﴾ ما أفسدوا من حسن الاستعداد وصفاء الروحانية بترك الشهوات النفسانية والحظوظ الحيوانية ﴿وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ﴾ ـحبل ﴿اللَّهُ﴾ استعانة على العبودية ﴿وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ﴾ في الطلب لا يطلبون منه إلا هو ثم قال : من قام بهذه الشرائط ﴿فأولئك مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يعني في صف أرواحهم خلق روحه لا في صف أرواح الكافرين ﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ التائبين ويتقرب إليهم على قضية من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً ومن أتاني يمشي أتيته أهرول وهذا هو الذي سماه ﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾ والله العظيم كذا في "التأويلات النجمية"، قال السعدي قدس سره :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٩
خلاف طريقت بود كاوليا
تمننا كنند ازخدا خزخدا
٣١٠
﴿مَآ﴾ استفهامية بمعنى النفي في محل النصب بيفعل أي أي شيء ﴿يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ﴾ الباء سببية متعلقة بيفعل أي بتعذيبكم ﴿إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ﴾ أي أيتشفى به من الغيظ أم يدرك به الثأر أم يستجلب به نفعاً أم يستدفع به ضرراً كما هو شأن الملوك أي لا يفعل بعذاب المؤمن الشاكر شيئاً من ذلك لأن كل ذلك محال في حقه تعالى لأنه تعالى غني لذاته عن الحاجات منزه عن جلب المنفعة ودفع المضرة وأما تعذيب من لم يؤمن أو آمن ولم يشكر فليس لمصلحة تعود إليه تعالى بل لاستدعاء حال المكلف ذلك كاستدعاء سوء المزاج المرض والمقصود منه حمل المكلفين على الإيمان وفعل الطاعات والاحتراز عن القبيح وترك المنكرات فكأنه قيل : إذا أتيتم الحسنات وتركتم المنكرات فكيف يليق بكرمه أن يعذبكم وتعذيبه عباده لا يزيد في ملكه وتركه عقوبته على فعلهم القبيح لا ينقص من سلطانه وجواب إن شكرتم محفذوف لدلالة ما قبله عليه أي إن شكرتم وآمنتم فما يفعل بعذابكم.
والشكر ضد الكفر والكفر ستر النعمة فالشكر إظهارها وأنما قدم الشكر على الإيمان مع أن الإيمان مقدم على سائر الطاعات ولا ثبات مع عدم الإيمان لما أنه طريق موصل إليه فإن الناظر يدرك أولاً ما عليه من النعم الأنفسية والآفاقية فيشكر شكراً مبهماً ثم يترقى إلى معرفة المنعم بعد إمعان النظر في الدلائل الدالة على ثبوته ووحدته فيؤمن به ﴿وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا﴾ الشكر من العبد هو الاعتراف بالنعمة الواصلة إليه مع ضروب من التعظيم ومن الله تعالى الرضى أي راضياً باليسير من طاعة عباده وأضعاف الثواب مقابلة واحدة إلى عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء من الأضعاف ﴿عَلِيمًا﴾ بحق شكركم وإيمانكم فيستحيل أن لا يوفيكم أجوركم فينبغي لطالب الحق أن يخضع له خضوعاً تاماً ويشكره شكراً كثيراً، قال الجرجاني في قوله تعالى :﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ﴾ (إبراهيم : ٧) أي لئن شكرتم القرب لأزيدنكم الأنس، وعن علي رضي الله عنه إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر معناه من لم يشكر النعم الحاصلة لديه الواصلة إليه حرم النعم الفائتة منه القاصية عنه.
ون بيابي تو نعمتي درند
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٩
خرد باشد و نقطه موهوم
شكر آن يافته فرومكذار
كه زنا يافته شوي محروم


الصفحة التالية
Icon