﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ أي تناولها فإن التحليل والتحريم إنما يتعلقات بالأفعال دون الأعيان والميتة ما فارقه الروح من غير ذبح ﴿وَالْدَّمُ﴾ أي : الدم المسفوح أي المصبوب كالدماء التي في العروق لا الكبد والطحال وكان أهل الجاهلية يصبونها في أمعاء ويشوونها ويقولون لم يحرم من فزدله أي من فصدله ﴿وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ﴾ لعينه لا لكون ميتة حتى لا يحل تناوله مع وجود الذكاة فيه وفائدة تخصيص لحم الخنزير بالذكر دون لحم الكلب وسائر السباع أن كثيراً من الكفار ألفوا لحم الخنزير فخص بهذا الحكم وذلك أن سائر الحيوانات المحرم أكلها إذا ذبحت كان لحمها طاهراً لا يفسد الماء إذا وقع فيه وإن لم يحل أكله بخلاف لحم الخنزير.
قال في "التنوير" وليس الكلب بنجس العين قال العلماء الغذاء يصير جزأ من جوهر المغتذي ولا بد وأن يحصل للمغتذي أخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلاً في الغذاء والخنزير مطبوع على حرص عظيم ورغبة شديدة في المشتهيات فحرم أكله على الإنسان لئلا يتكيف بتلك الكيفية ومن جملة خبائث الخنزير أنه عديم الغيرة فإنه يرى الذكر من الخنازير ينزو على انثى له ولا يتعرض له لعدم غيرته فأكل لحمه يورث عدم الغيرة ﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ أي : رفع الصوت لغير الله عند ذبحه كقوله باسم اللات والعزى.
قال الفقهاء : ولو سمي الذابح النبي عليه السلام مع الله فقال باسم الله ومحمد حرمت الذبيحة وفي الحديث "لعن الله من لعن والديه ولعن الله من ذبح لغير الله" قال النووي المراد به الذبح باسم غير الله كمن ذبح للصنم أو لموسى أو لغيرهما.
ذكر الشيخ الماوردي أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقرباً إليه أفتى أهل بخارى بتحريمه لأنه مما أهل به لغير الله.
وقال الرافعي : هذا غير محرم لأنهم إنما يذبحونه استبشاراً بقدومه فهو كذبح العقيقة لولادة المولود ومثل هذا لا يوجب التحريم كذا في "شرح المشارق" لابن ملك
٣٤٠
﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ أي : التي ماتت بالخنق وهو احتباس النفس بسبب انعصار الحلق وأكل المنخنقة حرام سواء حصل اختناقها بفعل آدمي أو لا مثل أن يتفق أن تدخل البهيمة برأسها بين عودين من شجرة فتخنق فتموت وكان أهل الجاهلية يخنقون الشاة فإذا ماتت أكلوها وهذه المتخنقة من جنس الميتة لأنها ماتت من غير تذكية ﴿وَالْمَوْقُوذَةُ﴾ المضروبة بنحو خشب أو حجر حتى تموت من وقذته إذا ضربته.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٤٠


الصفحة التالية
Icon