من أن الله عز وجل وفى بوعده حيث أظهره على الدين كله وهو الأنسب بقوله تعالى :﴿فَلا تَخْشَوْهُمْ﴾ أي : من أن يظهروا عليكم ﴿وَاخْشَوْنِ﴾ وأخلصوا إلي الخشية ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ بالنصر والإظهار على الأديان كلها أو بالتنصيص على قواعد العقائد والتوقيف على أصول الشرائع وقوانين الاجتهاد ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى﴾ بالهداية والتوفيق أو بإكمال الدين والشرائع أو بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين وهدم منار الجاهلية ومناسكها والنهي عن حج المشركين وطواف العريان ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسْلَـامَ دِينًا﴾ أي : اخترته لكم من بين الأديان وهو الدين عند الله لا غير.
فقوله ديناً نصب حالاً من الإسلام ويجوز أن يكون رضيت بمعنى صيرت فقوله ديناً مفعول ثاننٍ له.
قال جابر بن عبد الله : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول :"قال جبريل عليه السلام قال الله عز وجل هذا دين ارتضيته لنفسي ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه" وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً قال أي آية قال :﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ﴾ الخ قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي عليه السلام وهو قائم بعرفة يوم الجمعة أشار عمر إلى أن ذلك اليوم كان عيداً لنا.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان ذلك اليوم خمسة أعياد : جمعة، وعرفة، وعيد اليهود، والنصارى، والمجوس، ولم تجتمع أعياد أهل الملل في يوم قبله ولا بعده.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٤٠
ـ روي ـ أنه لما نزلت هذه الآية بكى عمر رضي الله عنه فقال النبي عليه السلام :"ما يبكيك يا عمر" قال : أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا فإذا كمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص قال :"صدقت" فكانت هذه الآية تنعي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعاش بعدها إحدى وثمانين يوماً ومات يوم الإثنين بعدما زاغت الشمس لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشر من الهجرة.
وقيل : توفي يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول وكانت هجرته في الثاني عشر منه، قال السعدي قدس سره :
جهان أي برادر تماند بكس
دل اندرجهان آفرين بندوبس
جهان أي سر ملك جاويد نيست
زدنيا وفا داري أميد نيست
منه دل برين سال خورده مكان
كه كنبد نايد بر وكرد كان
﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ متصل بذكر المحرمات وما بينهما اعتراض بما يوجب التنب عنها وهو أن تناولها فسوق وحرمتها من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام المرضي والمعنى فمن اضطر إلى تناول شيء من هذه المحرمات ﴿فِى مَخْمَصَةٍ﴾ أي : مجاعة يخاف منها الموت أو مباديه ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ﴾ حال من فاعل الجواب المحذوف أي فليتناول مما حرم غير مائل ومنحرف إليه بأن يأكلها تلذذاً أو مجاوزاً حد الرخصة أو ينتزعها من مضطر آخر كقوله تعالى :﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ﴾ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ لا يؤاخذه بأكلها وهو تعليل للجواب المقدر.
ـ وروي ـ أن رجلاً قال : يا رسول الله إنا نكون بأرض فتصيبنا المخمصة فمتى تحل لنا الميتة فقال :"ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تجنفوا بها بقلاً فشأنكم بها" ومن امتنع من الميتة حال المخمصة أو صام ولم يأكل حتى مات أثم بخلاف من امتنع من التداوي حتى مات فإنه لا يأثم لأنه لا يقين بأن هذا الدواء يشفيه ولعله يصح من غير علاج.
٣٤٣
والإشارة في الآيات : أن ظاهرها خطاب لأهل الدنيا والآخرة وباطنها عتاب لأهل الله وخاصته ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ﴾ يا أهل الحق ﴿الْمَيْتَةُ﴾ وهي الدنيا بأسرها، قال في المثنوي :
درجهان مرده شان آرام نيست
كين علف جز لايق أنعان نيست
هركرا كلشن بود بزم ووطن
كي خورد أوباده اند كولخن
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٤٠


الصفحة التالية
Icon