﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى﴾ وهي إسبال تحصيل الكمال ومعظمها بعثة النبي عليه الصلاة والسلام ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسْلَـامَ دِينًا﴾ وهو استسلام الوجود المجازي إلى النبي وخلفائه بعده ليطرح عليه أكسير المتابعة فيبدل الوجود المجازي المحبي بالوجود الحقيقي المحبوبي كما قال تعالى :﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ (آل عمران : ٣١) يعني : ويغفر بالوجود الحقيقي ذنوب الوجود المجازي فافهم جداً وتنبه ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ﴾ يعني : فمن ابتلى بالتفاته إلى شيء من الدنيا والآخرة مضطراً إليه في غاية الاضطرار والابتلاء لسر التربية ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ﴾ يعني : غير مائل إليه للإعراض عن الحق ولكن من فترة تقع للصادقين أو وقفة تكون للسالكين ثم يتداركونها بصدق الالتجاء إلى الحق وأرواح المشايخ والاستعانة بهم وطلب الاستغفار من ولاية البنين وإعانتهم ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ لما ابتلاهم به ﴿رَّحِيمٌ﴾ بأن يهديهم إلى الصراط المستقيم بإقامة الدين القويم كذا في "التأويلات النجمية".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٤٠
﴿يَسْـاَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ﴾ ما للاستفهام وذا بمعنى الذي والمعنى ما الذي أحل لهم من المطاعم.
إن قلت مفعول يسأل إنما يكون مفرداً فكيف تستخبثه الطباع السليمة ولم تنفر منه كما في قوله تعالى :﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَـاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَـائِثَ﴾ (الأعراف : ١٥٧) والطيب في اللغة المستلذ المشتهى فالتقدير كل ما يستلذ ويشتهي والعبرة في الاستلذاذ والاستطابة بأهل المروءة والأخلاق الجميلة فإن أهل البادية يستطيبون أكل جميع الحيوانات كذا قال الإمام في تفسيره ﴿وَمَا عَلَّمْتُم﴾ عطف على الطيبات بتقدير المضاف على أن ما موصولة والعائد محذوف أي وصيد ما علمتموه ﴿مِّنَ الْجَوَارِحِ﴾ حال من الموصول جمع جارحة بمعنى كاسبة قال تعالى :﴿وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ﴾ (الأنعام : ٦٠) وجوارح الإنسان أعضاؤه التي يكتسب بها ويحتمل أن يكون من الجرح بمعنى تفريق الاتصال فإن الجوارح تجرح الصيد
٣٤٥
غالباً.
والمراد بالجوارح في الآية كل ما يكسب الصيد على أهله من سباع البهائم كالفهد والنمر والكلب ومن سباع الطير كالصقر والبازي والعقاب والنسر والباشق والشاهين ونحوها مما يقبل التعليم فإن صيد جميعها حلال ﴿مُكَلِّبِينَ﴾ أي معلمين لها الصيد والمكلب مؤدب الجوارح ومضريها بالصيد ومضريها عليه مشتق من الكلب وذكر الكلب لكونه أقبل للصيد والتأديب فيه وانتصابه على الحالية من فاعل علمتم.
فإن قلت يلزم أن يكون المعنى وصيد ما علمتم معلمين ولا فائدة.
قلت : فائدتها المبالغة في التعليم لما أن اسم المكلب لا يقع إلا على النحرير في علمه فكأنه قيل وما علمتم ماهرين في تعليم الجوارح حاذقين فيه مشتهرين به
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٤٥


الصفحة التالية
Icon