﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ﴾ حال ثانية ﴿مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾ من الحيل وطرق التعليم والتأديب فإن العلم به الهام من الله تعالى أو مكتسب بالعقل الذي هو منحة منه أو مما علمكم أن تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه وأن ينزجر بزجره وينصرف بدعائه ويمسك عليه الصيد ولا يأكل منه.
قال صاحب "الكشاف" قوله تعالى :﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾ فيه تنبيه على أن كل من يأخذ علماً ينبغي أن يأخذه ممن هو متبحر في ذلك العلم غواص في بحار لطائفه وحقائقه وإن احتاج في ذلك إلى ارتكاب سفر بعيد قال عليه السلام :"اطلبوا العلم ولو بالصين" فكم من آخذ من غير متقن ضيع أيامه وعض عند لقاء النحارير أنامله ﴿فَكُلُوا مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ من تبعيضية لما أن البعض مما لا يتعلق به الأكل كالجلود والعظام والريش وما موصولة حذف حائدها وعلى متعلقة بأمسكن أي فكلوا بعض ما أمسكنه عليكم وهو الذي لم يأكلن منه وأما ما أكلن منه فهو مما أمسكن على أنفسهن لقوله عليه السلام لعدي بن حاتم :"وإن أكل منه فلا تأكل إنما أمسكه على نفسه" وإليه ذهب أكثر الفقهاء.
وقال بعضهم ومنهم أبو حنيفة : يؤكل مما بقي من جوارح الطير ولا يؤكل مما بقي من الكلب والفرق أنه يمكن أن يؤدب الكلب على الأكل بالضرب ولا يؤدب البازي على الأكل ﴿وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ الضمير لما في علمتم أي سموا عليه عند إرساله أو لما في ما أمسكن أي سموا عليه إذا أدركتم ذكاته.
وعن أبي ثعلبة قال : قلت يا نبي الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم فما يصلح لي قال :"أما ما ذكرت من آنية أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت الله عليه فكل وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل" وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم "كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين يطأ على صفاحهما ويذبحهما بيده ويقول : باسم الله والله أكبر" كذا في "تفسير البغوي".
والمستحب أن يقول بسم الله الله أكبر بلا واو لأن ذكر الواو يقطع نور التسمية كما في "شرح مختصر الوقاية" وكره ترك التوجه إلى القبلة وحلت كذا في "الذخيرة" ومتروك التسمية عمداً حرام لأنه ميتة بخلاف متروكها نسياناً فإنه حلال ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ في شأن محرماته ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ سريع إتيان حسابه أو سريع تمامه إذا شرع فيه يتم في أقرب ما يكون من الزمان والمعنى على التقديرين أنه يؤاخذكم سريعاً في كل ما جل ودق ودلت الآية على إباحة الصيد.
قال في "الأشباه" : الصيد مباح إلا للتلهي
٣٤٦
أو حرفة كذا في "البزازية" وعلى هذا فاتخاذه حرفة كصيادي السمك حرام.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٤٥
ـ يحكى ـ عن إبراهيم بن أدهم أنه قال : كان أبي من ملوك خراسان فركبت إلى الصيد فأثرت أرنباً إذ هتف بي هاتف يا إبراهيم ألهذا خلقت أم بهذا أمرت؟ ففزعت ودفعت ثم أخذت ففعلت ثانياً ثم هتف بي هاتف من قربوس السرج والله ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت فنزلت فصادفت راعي أبي ولبست جبته وتوجهت إلى مكة، ولما نزلت هذه الآية أذن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها ونهى عن اقتناء ما لا ينتفع بها وأمر بقتل الكلب العقور وبما يضر ويؤذي ورفع عما سواها مما لا ضرر فيه وفي الحديث "من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط" والحكمة في ذلك أنه ينبح الضيف ويروع السائل كذا في "تفسير الحدادي" وفي الحديث "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب" والمراد بالملائكة ملائكة الرحمة والاستغفار أي النازلون بالبركة والرحمة والطائفون على العباد للزيارة واستماع الذكر لا الكتبة فانهم لا يفارقون المكلفين طرفة عين والمراد بالصورة صورة ذي الروح لمشابهته بيوت الأصنام وبعض الصور يعبد فأبغض إلى الخواص ما عصى الله به.
وأما الكلب فلأنه نجس فاشبه المتبرز وزاد في بعض الأحاديث ولا جنب إلا أن يتوضأ، قال في "الترغيب والترهيب" : ورخص للجنب إذا نام أو أكل أو شرب أن يتوضأ ثم قيل هذا في حق كل من أخر الغسل لغير عذر ولعذر إذا أمكنه الوضوء فلم يتوضأ أو قيل هو الذي يؤخره تهاوناً وكسلاً ويتخذ ذلك عادة انتهى.
قال في "الشرعة وشرحها" لابن السيد علي : وينام بعد الوطء نومة خفيفة فإنه أروح للنفس لكن السنة فيه أن يتوضأ أولاً وضوءه للصلاة ثم ينام وكذا إذا أراد الأكل جنباً ولو أراد العود فليتوضأ والمراد به التنظف بغسل الذكر واليدين لا الوضوء الشرعي كما ذهب إليه بعض المالكية.


الصفحة التالية
Icon