والإشارة في الآية أن أرباب الطلب وأصحاب السلوك ﴿يَسْـاَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ﴾ أو حرم عليهم من الدنيا والآخرة كما قال صلى الله عليه وسلّم "الدنيا حرام على أهل الآخرة والآخرة حرام على أهل الدنيا وهما حرامان على أهل الله تعالى" ﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَـاتُ﴾ وهي ما لا يقطع عليكم طريق الوصول إلى الله فإن الله طيب لا يقبل إلا الطيب وكل مأكول ومشروب وملبوس ومقول ومعقول ومعمول طلبتموه بحظ من الحظوظ فقد لوثتموه للوث داعي الوجود فهو من الخبيثات لا يصلح إلا للخبيثين وما طلبتموه بالحق للقيام بأداء الحقوق مطيباً بنفحات الشهود فهو من الطيبات لا يصلح إلا للطيبين وفي قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ إشارة إلى أنه تعالى يحاسب العباد على أعمالهم قبل أن يفرغوا منها ويجازيهم في الحال بالإحسان إحسان القربة ورفعة الدرجة وجذبة العناية وبالإساءة إساءة البعد والطرد إلى السفل والخذلان، ونعم ما قيل :(هركه كند بخود كند ورهمه نيك بد كند) قال الصائب :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٤٥
راز غير شكايت كنم كه همو حباب
هميشه خانه خراب هواي خويشتنم
﴿الْيَوْمَ﴾ أراد به الزمان الحاضر وما يتصل به من الأزمنة الماضية والآتية أو يوم النزول ﴿أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَـاتُ﴾ وهي ما لم تستخبثه الطباع السليمة وهي طباع أهل المروءة والأخلاق الجميلة أو ما لم يدل نص شارع ولا قياس مجتهد على حرمته ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ﴾ أي :
٣٤٧
اليهود والنصارى والمراد بطعامهم ما يتناول ذبائحهم وغيرها ﴿لَكُمُ الطَّيِّبَـاتُ﴾ أي : حلال وعن ابن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال : لا بأس وهو قول عامة التابعين وبه أخذ أبو حنيفة وأصحابه.
وحكم الصابئين حكم أهل الكتاب عنده وقال صاحباه هما صنفان : صنف يقرأون الزبور ويعبدون الملائكة وصنف لا يقرأون كتاباً ويعبدون النجوم فهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب وأما المجوس فقد سن بهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم لقوله عليه السلام :"سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم" ولو ذبح يهودي أو نصراني على اسم غير الله كالنصراني يذبح باسم المسيح فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يحل فإن الله قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون.
وقال الحسن إذا ذبح اليهودي أو النصراني فذكر اسم غير الله وأنت تسمع فلا تأكله وإذا غاب عنك فكل فقد أحل الله لك ﴿وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ﴾ فلا عليكم أن تطعموهم وتبيعوه منهم ولو حرم عليهم لم يجز ذلك ﴿وَالْمُحْصَنَـاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَـاتِ﴾ رفع على أنه مبتدأ حذف خبره لدلالة ما تقدم عليه أي حل لكم أيضاً والمراد بهن الحرائر والعفائف وتخصيصهن بالذكر للبعث على ما هو الأولى لا لنفي ما عداهن فإن نكاح الإماء المسلمات صحيح بالاتفاق وكذا غير العفائف منهن وأما الإماء الكتابيات فهن كالمسلمات عند أبي حنيفة خلافاً للشافعي ﴿وَالْمُحْصَنَـاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ أي هن أيضاً حل لكم وإن كن حربيات وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : لا تحل الحربيات، قال الحدادي واستدل بعض الفقهاء بظاهر الآية على أنه لا يجوز للمسلم نكاح الأمة الكتابية والصحيح أنه يجوز بظاهر قوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٤٥


الصفحة التالية
Icon