﴿بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ بدليل حل ذبائحهن وإنما خص الله المحصنات بإباحة نكاحهن مع جواز نكاح غيرهن لأن الآية خرجت مخرج الامتنان والمنة في نكاح الحرائر العفائف أعظم وأتم يدل على ذلك أنه لا خلاف في جواز النكاح بين المسلم والأمة المؤمنة وإن كان في الآية تخصيص المحصنات من المؤمنات والأفضل لمن أراد النكاح أن لا يعدل عن نكاح الحرائر الكتابيات مع القدرة عليهن وذلك أن نكاح الأمة يؤدي إلى إرقاق الولد لأن الولد يتبع أمه في الرق والحرية ولا ينبغي لأحد أن يختار رق ولده كما لا ينبغي أن يختار رق نفسه ﴿إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ أي : مهورهن وتقييد الحل بإيتائها لتأكيد وجوبها والحث على الأولى وإذا ظرفية عاملها حل المحذوف ﴿مُحْصِنِينَ﴾ حال من فاعل آتيتمونهن أي حال كونكم أعفاء بالنكاح وكذا قوله :﴿غَيْرَ مُسَـافِحِينَ﴾ أي غير مجاهرين بالزنى ﴿وَلا مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ﴾ أي ولا مسرين به والخدن الصديق يقع على الذكر والأنثى.
قال الشعبي الزنى ضربان السفاح وهو الزنى على سبيل الإعلان واتخاذ الخدن وهو الزنى في السر والله تعالى حرمهما في هذه الآية وأباح التمتع بالمرأة على جهة الإحصان ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالايمَـانِ﴾ أي ومن ينكر شرائع الإسلام التي من جملتها ما بين ههنا من الأحكام المتعلقة بالحل والحرمة ويمتنع عن قبولها ﴿فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ أي بطل عمله الصالح الذي عمله قبل ذلك ﴿وَهُوَ فِى الاخِرَةِ مِنَ الْخَـاسِرِينَ﴾ هو مبتدأ من الخاسرين خبره وفي متعلقة بما تعلق به الخبر من الكون المطلق.
قال الحدادي : فقد بطل ثواب عمله وهو في الآخرة من المغبونين غبن نفسه ومنزله وصار إلى النار لا يغني عن المرأة
٣٤٨
الكتابية إسلام زوجها ولا ينفعها ذلك ولا يضر المسلم كفر زوجته الكتابية، قال السعدي :
برفتند وهركس درود آنه كشت
نماند بجزنام نيكو وزشت
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٤٥
واعلم أن الكفر أقبح القبائح كما أن الإيمان أحسن المحاسن وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"لما خلق الله جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأيت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون ثلاثاً" وعن كعب الأحبار أن نوحاً عليه السلام لما حضرته الوفاة دعا ابنه ساماً من بين أولاده وقال : أوصيك باثنتين وأنهاك عن اثنتين.
فأما الأوليان فإحداهما شهادة أن لا إله إلا الله فإنها تخرق السموات السبع ولا يحجبها شيء ولو وضعت السموات والأرض وما فيهن في كفة ووضعت هي في الأخرى لرجحت.
وأما الثانية : فأن تكثر من قول سبحان الله والحمدفإنها جامعة للثواب.
وأما الأخريان فالشرك بالله والاتكال على غير الله.
قال القاضي عياض انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم يكون أشد من بعض بحسب جرائمهم وأما حسناتهم فمقبولة بعد إسلامهم على ما ورد في الحديث.
قال في "نصاب الاحتساب" ما يكون كفراً بلا خلاف يوجب إحباط العمل ويلزمه إعادة الحج إن كان قد حج ويكون وطؤه مع امرأته حراماً والولد المتولد في هذه الحالة يكون ولد الزنى وإن كان أتى بكلمة الشهادة بعد ذلك إذا كان الإتيان على وجه العادة ولم يرجع عما قال لأن الإتيان بكلمة الشهادة على وجه العادة لا يرفع الكفر وما كان في كونه كفراً اختلاف فإن قائله يؤمر بتجديد النكاح والتوبة والرجوع عن ذلك بطريق الاحتياط وأما ما كان خطأ من الألفاظ ولا يوجب الكفر فقائله مؤمن على حاله ولا يؤمر بتجديد النكاح ويؤمر بالاستغفار والرجوع عن ذلك انتهى كلام النصاب.
والرجل والمرأة في ذلك سواء حتى لو تكلمت المرأة بما يكون كفراً تبين من زوجها، فعلى العبد الصالح أن يختار من النساء صالحة عفيفة متقية.
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندي قدس سره : لا تعطي الولاية لولد الزنى قال : واشكر الله تعالى على أن جعلني أول ولد ولدته أمي فإنه أبعد من أن يصدر ألفاظ الكفر من أحد أبوي قال وارثه الأكبر الشيخ الشهير بالهدايى قدس سره قلت والفقير كذلك.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٤٥


الصفحة التالية
Icon